الإعلامية الزميلة شيخة شاهين المضاحكة عندما انتقلت من إدارة المطبوعات والنشر بوزارة الإعلام، والتحقت بتلفزيون البحرين، كان في فكرها بوصفها مُعدة للبرامج ومتحيزة لبنات جنسها أن تلقي الضوء على رائدات مجتمعنا البحريني، وهي بحكم انتمائها إلى إحدى الجمعيات النسائية فقد مرت عليها شخصيات نسائية عديدة، فجمعية رعاية الطفل والأمومة من الجمعيات الرائدة، كجمعية نهضة فتاة البحرين وجمعية أوال النسائية وجمعية الرفاع النسائية، وكانت شيخة رئيس تحرير مجلة رعاية الطفل والأمومة التي أمر وقتها المرحوم طارق عبدالرحمن المؤيد وزير الإعلام الأسبق رحمه الله بطباعتها بمطبعة الحكومة إسهامًا من الوزارة في دعم نشاط المرأة البحرينية والجمعيات النسائية التي تُسهم في بناء مجتمع البحرين، وأسوة بالمجلات المتخصصة التي اتخذت وزارة الإعلام نهجًا بطباعتها مجانًا دعمًا لجمعيات المجتمع المدني ودورها المؤثر في المجتمع.
شيخة المضاحكة كرست جهدها لإبراز هذا البرنامج التلفزيوني الذي قدمته المذيعة والممثلة القديرة سناء بكر يونس، كما قدمته أيضًا المذيعة القديرة صاحبة التجربة الثرية في إذاعة البحرين السيدة بدرية عبداللطيف هجرس. وقد تألقت المذيعتان في التقديم وكان الإعداد ثريًا، والشخصيات ذات وزن كبير وإثراء في العمل التطوعي والإنساني متميز، ما أكسب هذا البرنامج شهرة واسعة ضمن باقة البرامج التي قدمها تلفزيون البحرين، وكان حديث الناس والأسر البحرينية التي وجدت نفسها في هذا البرنامج، وقد نال برنامج «رائدات» جوائز خليجية وعربية في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون الذي يقام كل سنتين في مملكة البحرين، ومهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون الذي يقام سنويًا بجمهورية مصر العربية، ومهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية الذي يقام في تونس، وكانت شيخة المضاحكة سعيدة بهذا البرنامج، فقد ألقت الضوء على شخصيات مؤثرة في مجتمعنا لها دورها الرائد، فكان البرنامج اسمًا على مسمى، وبذلت فيه المُعدة شيخة جهدًا كبيرًا في الاستقصاء والبحث والإقناع، والبرنامج كان من إخراج المبدع المخرج فاضل الكواري، وأبدع أيضًا في إبراز البرنامج طاقات شبابية ذات قدرات متميزة في التصوير والإضاءة والمونتاج والصوت والمتابعة، وأصبح هذا البرنامج سجلاً لتاريخ المرأة في البحرين وعطائها المميز، وقد قامت شيخة المضاحكة بطباعة كتاب تناول هذه الشخصيات وذكرياتها وجهودها في بناء المجتمع، ومن حسن الطالع أن ينال هذا الكتاب «رائدات» على جائزة المرحوم الوزير طارق عبدالرحمن المؤيد للإعلام المطبوع التي كانت تنظمها مع عائلة المرحوم طارق المؤيد «صحيفة الأيام» البحرينية. فأصبح برنامج «رائدات» محفوظًا في الذاكرة الوطنية، وأتمنى أن يعاد بثه لأجيالنا الحاضرة للتعرف على جانب مهم في مسيرة وطننا وكيف أسهمت المرأة البحرينية بجدارة في بناء مجتمعها والحرص على تقدمه ونهضته.
وباستعراض بسيط لأسماء الرائدات التي تناولها البرنامج، من قبيل الاستشهاد وليس الحصر، نلحظ هذا التنوع في الشخصيات ومقدار الجهود التي بُذلت والعطاء الوطني والإنساني للمرأة البحرينية في مجتمعها البحريني وفي المجتمع العربي، وهي أسماء محفورة في الذاكرة، وأبناء البحرين يعرفون جيدًا هذه الأسماء اللامعة في سماء الوطن، فقد استضاف البرنامج الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة رئيس جمعية رعاية الطفل والأمومة ورائدة العمل التطوعي والخيري والإنساني، والشيخة هيا بنت علي بن عبدالله آل خليفة أول وكيل وزارة مساعد للثقافة والتراث الوطني وأول مُنقّبة آثار بحرينية، والشيخة هيا بنت راشد آل خليفة المحامية السفيرة وأول بحرينية رئيس للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، والسيدة محفوظة الزياني رائدة في العمل التطوعي والخيري، والسيدة صباح خليل المؤيد أول مدير عام بنك في البحرين، والسيدة فائقة إبراهيم الزياني من رواد العمل الاجتماعي الرسمي، والسيدة هدى عزرا نونو أول سفير في البحرين في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، والدكتورة فضيلة المحروس طبيبة أطفال، وعواطف حسن الجشي أول ضابط نسائية بوزارة الداخلية، والدكتورة فاطمة بنت محمد البلوشي أول وزيرة للتنمية الاجتماعية، والسيدة سلوى يوسف المؤيد أول صحفية أكاديمية، والسيدة كريمة ظاهر الزيداني من مذيعات أخبار التلفزيون، والفنانة بلقيس فخرو فنانة تشكيلية، والدكتورة ندى حفاظ أول وزيرة صحة، والسيدة فاطمة بنت علي بن إبراهيم الزياني أول من فتحت عيادة طبية وصيدلية وأول امرأة بحرينية تحصل على رخصة سياقة، والدكتورة سلوى محمد المحروس من أوائل الطبيبات البحرينيات، والدكتورة ثريا أحمد آل صفر أول طبيبة بيطرية، والأستاذة موزة محمد القحطاني أول مدير مدرسة نموذجية.
والدكتورة ليلى محمد دويغر أستاذة جامعية في علم النفس التربوي، والدكتورة ضحى إبراهيم بن صقر الزياني أول قاضٍ دستوري، والسفيرة الدكتورة أمل الزياني باحثة ودبلوماسية في الوفد الدائم البحريني بنيويورك، والأستاذة عائشة عبدالغني أول وكيل وزارة للتعليم الخاص والمستمر، والشيخة لولوة بنت خليفة آل خليفة أول وكيل وزارة مساعد للمناهج والإشراف التربوي، والدكتورة منى محمد حسن البلوشي أول أمين عام مساعد للتقييم بالمجلس الأعلى للتعليم، والسيدة عائشة بنت يوسف الزياني ثاني ممرضة أكاديمية وثاني من سافر للدراسة في الخارج، والسيدة المربية سكينة القحطاني من المدرسات الأوائل، والسيدة سميرة عبدالجبار الكوهجي من أوائل من أنشأ مدرسة خاصة، والدكتورة جواهر شاهين المضاحكة أول رئيس تنفيذي لضمان جودة التعليم في البحرين.
يعجز المرء أن يحصي كل هذه الجهود التي بُذلت من قِبل شخصيات نسائية حملن الوطن على عاتقهن وأخلصن لمهنهن أو للعمل التطوعي والخيري، فأثبتن قدرتهن على العطاء وتقدير المجتمع لهن، رحم الله تعالى من انتقل منهن إلى رحمته، وأسبغ الصحة والعافية على من تواصل عطائها إلى اليوم.
إن مملكة البحرين -ولله الحمد- ولادة ومعينها لا ينضب، ومنذ فترة قصيرة في هذا العام 11 يوليو 2018 احتفلنا وطنًا بإنجاز وطني قامت به إحدى بنات هذا الوطن المعطاء، الملازم ثاني طيار الشيخة عائشة بنت راشد بن خليفة آل خليفة، أول قائد طيار حربي تحلق في سماء البحرين معلنة الريادة بوصفها أول بحرينية طيار لطائرة حربية، مما أثلج صدورنا جميعًا وشعرنا بالفخر والاعتزاز لهذا الإنجاز الوطني المشرف.
ويحق لنا أن نفخر بأن المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى حفظها الله ورعاها قد كرست تقليدًا حميدًا بأن يتم تكريم المرأة في الأول من ديسمبر من كل عام، في مختلف المجالات الوظيفية والإبداعية والعمل التطوعي والخيري والوطني، بمناسبة يوم المرأة البحرينية، وفي هذا العام ديسمبر 2018 سيتم الاحتفال وتكريم المرأة البحرينية في المجال التشريعي والعمل البلدي «التي تشكلت ملامح مشاركتها الأولى ضمن أول انتخابات بلدية شهدتها البحرين في منتصف العشرينات من القرن الماضي، وتزامنًا مع دخول المرأة البحرينية لمجلس الشورى المعين، وخمسة عشر عامًا على دخول المرأة المجالس التشريعية والبلدية».
سنظل دومًا بحاجة إلى تذكير أنفسنا بما حققناه وحققه مجتمعنا، لنبني عليه، فهذا الوطن العزيز المعطاء به من القدرات والمواهب والملكات ما يجعلنا نثق بأنفسنا ونثق بقدرات مواطنينا على البذل والعطاء وتحقيق المنجزات لخير هذا الوطن ومواطنيه.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.