طباعة
sada-elarab.com/106436
علم المواريث علم مَليِء بالعبر والحكم ولأهميته وقيمته أوردت الآيات القرآنية في محكم التنزيل تفاصيله والتأكيد على الالتزام به وتقديسه، وقد تخصص فيه أناس حباهم الله بالعلم والمعرفة وتكريس جهودهم لاستيعابه وفهمه والتوزيع العادل على الورثة بالمقادير والأحكام القرآنية وتحري الدقة والأمانة لكي لا يقع الظلم والحيف على أحد الورثة المستحقين.. غير أن هذا العلم الرفيع المنزلة ليس بموضوع هذا المقال، ولكني أُسقط بعض موجبات هذا العلم مثلًا على ما نعتبره تجاوزًا ميراثًا لكنه بمفهوم آخر يتناول الجوانب الاجتماعية والثقافية والإنسانية بمفهومها العام.
صدفة تقابلت في القاهرة مع مواطن من سلطنة عُمان ومن خلال الحديث العابر أدركت من خلال لهجته أنه من أبناء عُمان وهو قد أدرك من خلال لهجتي أنني من أبناء البحرين، وكعادة السؤال يتم التطرق إلى المنطقة تحديدًا التي هو منها، وإذا هو يقول إنني من الجبل الأخضر بسلطنة عُمان، وتبادلنا الحديث مستعرضًا ذكرياتي مع الإخوة العُمانيين الذين عشنا معهم كأهل وجيران في البديع والجسرة ومدينة الحد، وأثناء الدراسة الجامعية وأثناء العمل في مجال الإذاعة والتليفزيون والإعلام عمومًا وفي مجال الثقافة والفنون والآثار والتراث مستعرضًا الأسماء التي أحفظها وأحفظ أجمل الذكريات معها، وإذا هو ينبري بإيراد ذكرياته مع البحرينيين الذين التقى بهم ومع العُمانيين الذين يعيشون إلى اليوم في مملكة البحرين في مدن وقرى البحرين المختلفة. وقد وجدنا نفسينا من خلال هذا الحديث العابر أننا نتحدث عن علاقات وثيقة بين شعبين وبلدين شقيقين ربطت بينهما علاقات وثيقة على مر التاريخ مستعرضين بكل الفخر والاعتزاز طيبة أهل البحرين وطيبة أهل عُمان، جعلها الله على الدوام، فهذه الطيبة لا تُقدر بثمن ولا يمكن نسيانها والتفريط فيها.
من خلال هذه السويعات عادت بي الذكرى إلى أهمية أن نحافظ كمواطنين على القيم التي يتحلى بها شعبنا في مملكة البحرين وأن نبني عليها في علاقاتنا مع بعضنا بعضًا ومع جيراننا وأشقائنا وأصدقائنا، وأُجزم بأن كل بحريني يملك مثل هذه الرغبة الصادقة وحمل هذه الأمانة التي ورثناها من أجدادنا وآبائنا وأصبحنا نفخر بها ونتباهى ونشيعها بين الناس الذين نلتقي بهم ليس قولًا وإنما فعلًا وعن تجربة عريقة ممتدة، والمرء عندما يعتد بالقيم التي تربي عليها فليس في ذلك ادعاء أو تنطع، وإنما هي حقيقة ماثلة للعيان ونعمة تستحق الشكر والحمد والثناء.
ونحن عندما نتكلم عن بلدين شقيقين فإن هذا القول ينسحب على أشقاء وأصدقاء عرب ومسلمين ربطت بيننا وبينهم ظروف وأسباب متعددة، ونجد أن هناك الكثير من القواسم المشتركة التي تحتاج إلى الإيمان بها والتأكيد عليها وتنميتها، وتجاوز كل سلبيات المنغصات والمثبطات التي يسعى البعض لإيقاعها وخصوصًا من أولئك الذين تشبعت نفوسهم بالأحقاد والمؤامرات ويجدون ضالتهم في التفريق وتمزيق الأمة.
إنها ثقافة وأمور أصلتها الحضارة والتاريخ، وهناك صلة وثيقة ولصيقة بين كل ذلك وأخلاق الشعب وصفاته وخصاله وشمائله وحرصه الأكيد على البناء وتدعيم العلاقات بينه وبين بقية الشعوب.
نعلم أن التحديات كثيرة ونعلم أننا كشعوب مستهدفة، وأن أوطاننا كلما حققت أمنًا واستقرارًا وُجِدَ من يُغضبه ذلك ويريد أن يدق أسفينًا بين الشعب الواحد في البلد الواحد، غير أن الإدراك بالمخاطر والتحديات يستلزم التكاتف والتعاون والبذل والعطاء من الجميع صَغُر مكانه أو كَبُر.
لقد عودتنا الأجيال التي سبقت أن ما يحدث من تباين فيما بينهم يجدون من يأخذ بيدهم ويستمع إلى شكواهم ويسعى جاهدًا لتجاوز ما ينغص عليهم حياتهم، وكانت قلوبهم مفتوحة وكانت عقولهم بخبرتها وتجربتها مثالًا لتجاوز كل سلبيات تقف في طريقهم، وكان الإيمان بقدرة كبيرهم على تحري المصلحة العامة موضع ثقة منهم في جهوده وقدرته على تجاوز كل السلبيات والمنغصات. والتاريخ يذكّرنا بالظروف القاسية التي مروا فيها من كساد في موسم الغوص على اللؤلؤ إلى شح الموارد الغذائية إلى الأمراض المتفشية والتي أودت بحياة الكثير منهم، فما كان منهم إلا التعاون مع بعضهم بعضًا وتحقيق التكافل الاجتماعي فيما بينهم، وإذابة الفوارق الاجتماعية وتوحيد الجهود لمواجهة الأخطار، وكان شعارهم أن تظل سفينة الوطن سائرة في طريقها إلى أن تصل إلى مرافئ الأمن والأمان في البنادر المعروفة لديهم في المدن والقرى.
تغيرت الظروف وتباينت معطيات العصر وتكالبت قوى الشر من كل حدب وصوب، ولكن الأمة وما تؤمن به وتسعى من أجله نحو بلوغ أهدافها وغايتها تستطيع بالتكاتف والتعاون والإدراك والوعي واليقظة والإيمان بالشعب وقدراته ومواهبه وإبداعاته تجاوز كل التحديات التي يقال أن من بين حلقاتها تبرز الفرص التي من الممكن البناء عليها وتدعيمها.
وعلى الخير والمحبة نلتقي