رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
ياسر هاشم
ads
اخر الأخبار
السفير: خليل الذوادي

السفير: خليل الذوادي

الرفيق قبل الطريق

الأربعاء 11/يوليو/2018 - 09:43 ص
طباعة
كانت الطرق موحشة، ظلام الليل لا ينيره إلا القمر في تشكله على مر الأيام، كان المسير في الليل لا يقدم عليه إلا من اضطر إليه اضطراراً فكان لابد من الرفيق يؤنس وحشتك، ويخفف عليك وعثاء السفر، وتقطع الطريق وأنتما تتحدثان وتتسامران، حديث الذكريات وربما استشراف المستقبل، فيمضي الوقت دون أن تشعر بطول الطريق.
في الستينيات عندما كنا نذهب إلى السينما في المنامة يوم الخميس من كل أسبوع مستقلين الباص الخشبي من البديع مروراً بشارع البديع والقرى على جانبيه حتى نصل إلى موقف السيارات بالمنامة الذي كان موقعه إلى الغرب من فندق ديلمون حالياً، ونتوجه سيراً على الأقدام إلى شارع الزبارة، حيث معظم «السينمات» تقع في هذا الشارع بالإضافة إلى المقاهي والمطاعم، والالتقاء بأطياف المجتمع البحريني من القرى والمدن في نزهة أسبوعية ممتعة، ومن ثم التفكر في العودة إلى البديع وقد أدلهم الليل وأرخى سدوله وعم السكون الأرجاء ولا تسمع إلا أزيز «بوفخيذ» تلك الحشرة الضئيلة لكن صوتها يملأ الكون، وكان موقف العودة عند «بيت الحلال» غربي المنامة وجنوب فريج النعيم بانتظار الفرج، سيارة أجرة أو باص خشبي أو سيارة خاصة يتعطف علينا أحد أصحابها فيقوم بتوصيلنا مجاناً صدقة جارية أو تعبيراً عن التكافل الاجتماعي وشيم النخوة المواطنية.. وعبثاً انتظرنا نحن الثلاثة عمي صالح، وصديقه محمد العرفج، وأنا وطال الانتظار وأدلهم الليل وسادت الظلمة المكان وكان الرأي الأخير هو أن نمشي على الأقدام من المنامة إلى البديع مروراً بجميع القرى المحيطة بالشارع علّنا نعثر على صديق أو عابر سبيل يملك سيارة أو دابة أو دراجة هوائية أو دراجة نارية، ولكن دون جدوى وكان ذلك ضريبة مشاهدتنا لفيلم هندي استغرق عرضه ثلاث ساعات متوالية. عموماً قطعنا الطريق مشياً على الأقدام نتسامر ونعيد على الأذهان قصة الفيلم ومواقف أبطاله بالإضافة إلى أحاديث الذكريات والمواقف الظريفة التي صادفناها في حياتنا ولم نصل إلى قرية البديع إلا مع أذان الفجر ولم نشعر بطول الطريق، فقد كانت الرفقة قبل الطريق.
أعرف أصحاباً كُثر في مملكة البحرين يسافرون سنوياً إلى بلدان بعينها، مجموعة تعرف بعضها بعضاً فينقلون مجلسهم الذي يلتقون فيه في البحرين «الديرة» إلى البلد الذي يزورونه سنوياً وقد يكون من بينهم من يجيد الطبخ فيعدّون الأطباق البحرينية ويجلبون معهم البهارات البحرينية ولوازم الطبخ المعتادة، فرفقة الطريق تجمعهم وتسر خاطرهم، ولذلك فهم على قلب رجل واحد، وهذه هي إحدى ميزات ونجاح السفر الجماعي.
في موروثنا الاجتماعي تروى قصة ذلك الرجل الذي سئل عن صاحبه الذي لا يفارقه في «الديرة» فقيل له: «هل تعرف صاحبك حقاً؟!» فقال: «نعم» فقيل له: «هل سافرت معه؟!» فقال: «لا»، فقيل له: «إذن أنت لا تعرفه».
وهو قول فيه الكثير من الصحة، فالسفر امتحان للرجال والنساء، طبعاً على حد سواء فقد قيل إن في السفر المرء يتجرد من ما يحيط به من عناصر التجمل والتصنع والمجاملة ويظهر على حقيقته في التصرف والتعامل الشخصي والجماعي، فعندها يتضح معدنه الأصيل.. كما أن السفر يستلزم من المرء أن يتجرد من الأنانية، ويضع نفسه في خدمة من يسافر معهم ويسعى جاهداً لأن يتناغم معهم ويشاركهم فيما ينوون الإقدام عليه، كما أن على الأصحاب أيضاً مراعاة ظروف كل واحد من الجماعة الذين معهم، فهناك ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية تحيط بكل واحد منا فمراعاة كل ذلك يجعل من الطريق ممهداً وتصبح الصحبة ميسرة والأمور تسهل وإن تعقدت في بدايتها فبالتعاون والتكاتف والتآزر تخف حدتها وربما تزول، وأحياناً تفرض الظروف على المرء أن يتنازل عن بعض متطلباته في صالح الجميع، ففي السفر تتجلى ديمقراطية التعامل الإنساني بين بني البشر.
وإذا أخذنا معيار «الرفيق قبل الطريق» واسقطناه على الواقع المهني الذي نقوم به في المؤسسات والشركات والوزارات والمصالح الحكومية فإننا نجد أنفسنا نقضي الساعات الطوال في العمل أو الوظيفة أكثر مما نقضيه في بيوتنا وبين أهلنا، ومن هنا فنحن في سفر دائم مما يتطلب أن يكون رفقاء المهنة معك على قلب رجل واحد، يتعاونون ويتبادلون الآراء، وينظرون إلى المصلحة العامة ويسعون مجتمعين إلى النهوض بالمؤسسة والوظيفة التي كلفوا بها، فمتعة الأداء لا تتحقق إلا بتكاتف وتعاون الجميع والجزر المعزولة لا تفيد ولا تخلق تطوراً وانسيابية في العمل والأداء..
وهذا المفهوم «الرفيق قبل الطريق» ينطبق أيضاً على الأعمال التطوعية الأخرى في الأندية الرياضية والاجتماعية والعمل في خدمة المجتمع والجمعيات الخيرية حيث أن جميع المنظمين لهذه الأعمال يتحتم عليهم أن يعملوا كفريق واحد لا يشذ أحدهم فيتصور نفسه أنه الوحيد القادر على الأداء ودونه يكون تعثر بل خراب العمل التطوعي، فالمسؤولية واحدة، والعمل ينسب إلى المجموع؛ لأن الهدف واحد والغاية واحدة والطريق الموصل إليهما محفوف بالمخاطر والعقبات والصعاب، ولا يهون ذلك إلا بالتعاون والتكاتف وتبادل الخبرة والمعرفة.
سنظل بحاجة إلى بعضنا بعضاً مهما اختلفت قدراتنا ومواهبنا ومعرفتنا وعلمنا وسنظل نشعر بأن نجاحنا الجماعي هو بالتكاتف والتعاون ونكران الذات، وفي الأول والأخير الإيمان بأن المهم أن نعي وندرك ونستوعب بأن «الرفيق قبل الطريق».

وعلى الخير والمحبة نلتقي

إرسل لصديق

ads
ads

تصويت

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟

هل تؤيد تكثيف الحملات الأمنية بمحيط الأندية ومراكز الشباب لضبط مروجى المخدرات؟
ads
ads
ads

تابعنا على فيسبوك

تابعنا على تويتر

ads
ads
ads