قال الخبير الأثاري الدكتور عبد الرحيم ريحان يواصل منبر الحضارة حكايات رمضان وقد ألقينا الضوء على ليلة الرؤية وموائد الرحمن وفانوس رمضان وأصل وحوى يا وحوى وعادات وتقاليد رمضان فى القاهرة وسيناء واليوم أروى أيام شهر رمضان التى قضيتها وسط راهبات دير البنات بوادى فيران وكن يجهزن إفطارى وسحورى وذلك أثناء عملى مرافقًا ومشرفًا على عمل بعثة آثار ألمانية بوادى فيران برئاسة الدكتور بيتر جروسمان بالمدينة البيزنطية بوادى فيران وكانت إقامتنا داخل الدير .
ويضيف الخبير الأثاري الدكتور عبد الرحيم ريحان كان سكنى فى حجرة خاصة داخل الدير مقابلة لكنيسة سيدنا موسى الذى بناها راهبان من دير سانت كاترين عام 1970 وبنى حولها دير عام 1979 خصص للراهبات التابعات لدير سانت كاترين ويسمى دير البنات.
ويوضح " ريحان " يجمع وادى فيران بين البشر والحجر والشجر ويقع على بعد 60كم شمال غرب دير سانت كاترين طوله 5كم وعرضه ما بين 250 إلى 375م وقد أخذ شهرته من وجوده فى سفح جبل سربال العظيم الذى يبلغ ارتفاعه 2070م فوق مستوى سطح البحر وبه أكبر وأهم مدينة مسيحية مكتشفة بسيناء والتى تحوى آثار عمرها أكثر من 1500عام من القرن الرابع إلى السادس الميلادى شهدت قدوم المسيحيين إليها من أوروبا آمنين مطمئنين على أرض الفيروز فى رحلتهم إلى القدس عبر سيناء.
ويتابع "ريحان " تصادف أن يكون عملى مع البعثة الألمانية لموسمين بوادى فيران خلال شهر رمضان وكنت أجد اهتمامًا بالغًا من الراهبات بالدير وفى جو الدير كنت أشعر بصفاء نفسى وجو روحانى وعزلة ساعدتنى على اختيار منتصف الليل حتى الفجر لقراءة القرآن وكنت أقرأ القرآن بصوت عال ولطبيعة المنطقة وعزلتها وروحانياتها كان صوتى يصل إلى أنحاء الدير وكنت أصل إلى مرحلة صفاء روحانى أثناء القراءة وكأن الملائكة تقرأ معى وهذا طبيعى فعند قراءة القرآن تحيط بك الملائكة لتستمع فإذا قرأت بخشوع وقلب صافى عشت داخل هالة نورانية وخرجت من جسدك لآفاق أسمى.
وسألت الراهبات ذات مرة هل قرائتى للقرآن تسبب إزعاج لهن فقلن أنهن يؤدين صلوات فى هذه الأوقات وينصتن بإعجاب لقرائتى وربما يكون هذا سر اهتمامهن بى وتلبية كل طلباتى ومنها طعام خاص يختلف عن بقية أفراد البعثة ويناسب شهر رمضان الكريم وقد طلبت منهن زبادى للسحور فصنعن الزبادى لى داخل الدير علاوةعلى شراء كميات جلبت من القاهرة خصيصًا وكون أنهم وجدن فى شخصى المتواضع نموذجًا للمسلم قلبًا وقالبًا يظهر فى سلوكى داخل الدير وسط راهبات كن أخوات لى .
واستطرد كنت أعمل فى الصباح مع البعثة بمجهود يفوق باقى أفراد البعثة نفسها وكنت أتسلق جبل الطاحونة المقابل للمدينة البيزنطية للعمل أعلى الجبل على ارتفاع 886م فوق مستوى سطح البحر وكانت البعثة تقوم بأعمال مسح أثرى بوادى المكتّب قرب وادى فيران ويضم الوادى نقوش نبطية ويونانية وعربية وكنت أتابع النقوش على الجبل بهمة لفتت نظر أحد أفراد البعثة الألمانية وسألنى عن سر الصيام الذى يعطينى كل هذه القوة والنشاط وشرحت له قيمة الصيام ومن وقتها قرر أن يتناول وجبة الإفطار معى مجاملة لى وربما لملاحظته أن طعام إفطارى أفضل من الطعام الذى يقدم لباقى أفراد البعثة فأراد ضرب عصفورين بحجر.
وكانت نزهتى أثناء نهار رمضان متابعة أعمال كل أفراد البعثة والتعلم منهم وكان رئيس البعثة الدكتور بيتر جروسمان مهندسًا وأستاذًا فى الآثار وقد تعلمت منه الرفع المعمارى بشكل عملى بمجرد مراقبتى لعمله مع سؤال لدقائق بين يوم وآخر دون تعطيل العمل وكذلك متابعتى لسيدة فاضلة ضمن أفراد البعثة كانت مهمتها رسم لوحات فنية لوادى فيران وهى السيدة إيلينى باولو وقد سجلت أشجار وادى فيران ومعانقتها للآثار وأصبحت لوحاتها وثائق تسجل طبيعة الوادى وآثاره فى فترات مختلفة .
وكنت لا أجد فرقًا فى إحساسى بجمال شهر رمضان سواءً بين عمال البعثة وكانوا من مدينة قفط بصعيد مصر ويتميزون بالمهارة فى أعمال التنقيب الأثرى وطيبة القلب والعشرة الطيبة وحياتى داخل الدير بعد انتهاء العمل حيث أتفرغ للتعبد وقراءة القرآن والتأمل فى ملكوت الله.