ملفات
خبراء يكشفون أسباب التوجه الإقليمي نحو الطاقة النووية
الخميس 03/مايو/2018 - 01:54 م
طباعة
sada-elarab.com/96011
شهدت أواخر 2017 وأوائل 2018 سلسلة من الأحداث الهامة التي تأتي في إطار جهود دول المنطقة لاتخاذ خطوات جادة لتنفيذ برامجها النووية. ففي ديسمبر 2017، وقعت مصر وروسيا على اتفاقية استكمال عقود تنفيذ أول محطة نووية مصرية بمنطقة الضبعة. وفي مارس 2018، استكملت الإمارات العربية المتحدة الوحدة الأولى في محطة براكة، أولى محطاتها النووية، بينما بدأت تركيا في ابريل 2018 العمليات الانشائية لمحطتها النووية الأولى في منطقة أكويو. إنّ هذه الخطوات والاجراءات الهامة ترسخ مكانة الشرق الأوسط باعتبارها مركزاً عالمياً جديداً للطاقة النووية، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة لدول المنطقة في مجالات متعددة.
ويذكر محمد أبو باشا، رئيس البحوث الاستراتيجية الكلية فى المجموعة المالية هيرميس EFG Hermes، أسباب هذا التوجه الإقليمي نحو الطاقة النووية بقوله "إنّ الدافع الرئيسي لتوجه دول المنطقة للاعتماد على الطاقة النووية يعتمد على سببين رئيسيين، أولهما: أنّ الطاقة النووية مازالت حتى الآن هي أرخص مصادر توليد الطاقة الكهربائية وأكثرها استدامة، أما السبب الثاني فيتمثل في رغبة دول المنطقة التي اعتمدت لعقود عديدة على البترول والغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، في تنويع مصادر الطاقة من خلال إضافة الطاقة النووية ضمن معادلة مزيج الطاقة بها".
ومع اتجاه الطلب على الطاقة الكهربائية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للزيادة بأكثر من الضعف بحلول عام 2040 (طبقاً لبيانات منتدى الدول المصدرة للغاز)، واعتماد تلك الدول على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للطاقة بنسبة تتجاوز 99%، وهو وقود مستنفد وسلعة تصديرية رئيسية، فإنّ دول المنطقة تسعى للبحث عن حل عملي ليحل محل البترول والغاز الطبيعي ضمن مزيج الطاقة، وتتمثل الإجابة المباشرة على تلك المعضلة في "الطاقة النووية".
ونظراً لطبيعتها، تنتج الطاقة النووية كهرباء مستقرة بصورة يمكنها تلبية احتياجات الطاقة في دول المنطقة بشكل رئيسي. فعلى سبيل المثال عندما تعمل محطة براكة الإماراتية بكامل طاقتها، فإنها ستنتج حوالي 25% من اجمالي الطاقة الكهربائية في الإمارات، بينما توفر محطة أكويو التركية ما يقرب من 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء طبقاً للتقديرات التركية. أما محطة الضبعة المصرية، والتي تُعد أول محطة نووية للطاقة في مصر، فستوفر ما يوازي 10% من احتياجات الطاقة الكهربائية في مصر. الأهم من ذلك، فإنّ مصر-مثلها مثل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تتخذ خطوات جادة في برامجها النووية- تحتاج فعلياً لتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة للتنمية الاقتصادية والمشروعات الكبرى وكافة نواحي ومجالات الحياة الأخرى.
وتعليقاً على ذلك، يقول الدكتور كريم الأدهم، الرئيس السابق لهيئة الأمان النووى والمتحدث باسم هيئة الرقابة النووية والإشعاعية بمصر "إنّ محطة الضبعة النووية ستعمل على تحفيز الاقتصاد المصري من خلال توفير المزيد من الطاقة الكهربائية اللازمة لتنفيذ المشروعات التنموية. وبالطبع سيعمل ذلك على تحسين المشروعات الصناعية والزراعية وتطوير قطاع المواصلات، وسيكون تأثير المحطة على الاقتصاد المصري تأثيراً ايجابياً واسعاً بكل المقاييس".
وبالإضافة لتأمين احتياجات البلاد من الطاقة، يمثل البرنامج النووي المصري إشارة ذات دلالة واضحة على مستوى الاستقرار في دول المنطقة، فكما يقول الدكتور عبد العاطي سلمان، رئيس هيئة المواد النووية الأسبق "إنّ اقامة محطة الضبعة النووية في مصر يُعد دليلاً على أمان واستقرار مصر على المستوى السياسي، وهو الأمر الذي يمكنه تحفيز وجذب المزيد من المستثمرين لمصر. وتتضمن مجالات الاستثمار كل من قطاعات الانشاءات وتصنيع المعدات والالكترونيات والعديد من المجالات الأخرى".
إنّ التحول للطاقة النووية يُعد مؤشراً هاماً لرغبة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، والتحول لاقتصاد صديق للبيئة بانبعاثات كربونية منخفضة. ويوضح الدكتوياسين إبراهيم، الرئيس الأسبق لهيئة المحطات النووية في مصر تلك النقطة بقوله "إنّ العالم يتطلع لمصادر طاقة تتمتع بأقل قدر ممكن من الانبعاثات الكربونية، من خلال تطوير تكنولوجيات جديدة في هذا المجال الحيوي. ويأتي الاعتماد على الطاقة النووية في مقدمة البدائل التي تتمتع بهذه الخصائص البيئية الهامة". وقد عدّد د. ابراهيم المزايا التي تتمتع بها محطات الطاقة النووية، والتي من بينها قدراتها الإنتاجية الفائقة من الطاقة وعمرها الإنتاجي الممتد وانخفاض انبعاثات ثاني أكيد الكربون الصادرة عنها، وأضاف أن هذه الخصائص وغيرها تبرز "المساهمات الفعالة للمحطات النووية في الحفاظ على البيئة وإنتاج طاقة نظيفة وغير ملوثة، إلى جانب جدواها الاقتصادية المرتفعة ومزاياها الاقتصادية الممتدة مقارنة بالمصادر التقليدية الأخرى".
من ناحية أخرى، هناك قيمة كبيرة للانضمام إلى نادي الصفوة النووي الذي يضم الدول التي تنفذ برامجها النووية للأغراض السلمية. وإلى جانب المكانة الدولية التي تتحقق نتيجة امتلاك الدول للمحطات النووية، هناك العديد من المزايا الملموسة الأخرى، والمتمثلة في تقدم مجالات العلوم والتكنولوجيا والتعليم التي ترتبط بشكل مباشر بإقامة تلك المحطات، خاصة وأنّ الدول الرائدة التي تقيم محطاتها النووية الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها مصر وتركيا، اختارت أحدث تكنولوجيا عالمية مستخدمة في هذا المجال، وهي المفاعلات النووية المتطورة من طراز 3+ VVER-1200 والتي تضمها المحطات النووية الرائدة في تلك الدول. ويعتبر د. محمد أبو باشا أن خبرة روساتوم الكبيرة ومشروعاتها العالمية السابقة تمثل عاملاً رئيسياً لاختيار مصر لها كمقاول رئيسي لإقامة أولى المحطات النووية في مصر، ويضيف: "باعتبارها واحدة من كبرى الشركات العالمية وأكثرها تخصصاً في اقامة وتشغيل المحطات النووية بالمنطقة، جاءت روساتوم في مقدمة الإختيارات المتاحة أمام مصر، عندما قررت اقامة محطة الضبعة". ومع أخذ جميع العوامل في الاعتبار، فإنّ قرار دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الحاسم بالتوجه نحو استخدام الطاقة النووية يمثل قراراً منطقياً وخطوة متطورة من شأنها المساهمة بشكل مؤكد في تطوير واستقرار المنطقة وتعزيز المكانة الدولية لدولها التي تعتمد على الطاقة النووية. تضيف الدكتورة/ عالية المهدي، استاذ الاقتصاد والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة "ستحقق مصر العديد من المكاسب نتيجة وقوفها على قدم المساواة مع باقي دول المنطقة التي لديها أو تنوي اقامة محطات نووية جديدة، حيث سيساعد ذلك على تحقيق توازن استراتيجي بالمنطقة".