طباعة
sada-elarab.com/88678
مهنة الطب هي مهنة إنسانية في المقام الأول والأخير، ولا يمكن أن توضع في مقارنة مع مهن كثيرة أخرى، فهي مرتبطة بحياة الإنسان وصحته ولها الأثر الواسع على المجتمع، ولذلك حرصت الدساتير العصرية على أن تتضمن بند حق المواطن في أن ينال الرعاية الصحية الواجبة، وأكد دستور منظمة الصحة العالمية على أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، ولم يكن دستور مملكة البحرين بعيدا عن هذا النهج.
كما يضع العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدابير خاصة بالصحة في المادة 12 منه، ومن أبرزها تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض، ويشمل الحق في الصحة، توفير القدر الكافي من المرافق الصحية العمومية ومرافق الرعاية الصحية والسلع والخدمات والبرامج، والإمكانية الاقتصادية للوصول «القدرة على تحمل النفقات»، وأيضا جودة المرافق والسلع والخدمات الصحية.
ولقد حرصت القيادة الرشيدة في مملكة البحرين منذ قديم الزمن على توفير الرعاية الصحية المناسبة للمواطن سواء في الداخل أو عن طريق العلاج في الخارج، واستفاد منها الكثيرون، ولا بد هنا أن نثمن هذا النهج الذي لا يتوافر في الكثير من دول العالم، وكانت مملكة البحرين سباقة في حماية ورعاية صحة مواطنيها.
لكن تقريراً صدر من لجنة التحقيق البرلمانية في الخدمات الطبية يشير إلى ارتفاع معدلات الاستقالات الجماعية للأطباء من المؤسسات الطبية الحكومية، والذي أنكرته وزارة الصحة في البحرين وبررته بأنه تقاعد مبكر واستقالات إرادية، وهي في ذلك قد تكون صادقة لكنها لم توضح سبب هذه الاستقالات او الهجرة الجماعية أو التقاعد المبكر، وأين يذهب هؤلاء الاطباء.. إلى منازلهم ليصبحوا عالة على صندوق التقاعد أم إلى مستشفيات خاصة تستفيد من خبراتهم؟!
سمعنا الكثير من شكاوى الأطباء في وزارة الصحة بأن الوزارة تتجاهل الاستماع لشكواهم او حتى مناشداتهم في أن تتم معاملتهم معاملة تليق بمكانتهم العلمية وخبراتهم العملية، وما يتعرضون له من ضغوط نفسية كبيرة في العمل لا تقابل بأي تقدير مادي أو حتى معنوي، وهذا ما يضطر خيرة الكوادر الطبية لمغادرة العمل في الحكومة والتوجه للقطاع الخاص الذي يتلقفه ويمنحه كافة المميزات التي فقدها في العمل مع الوزارة.
ربما تكون هناك أزمة اقتصادية تضطر الدولة والحكومة لتخفيض نفقاتها في بعض القطاعات، لكن صحة الإنسان لا تقبل المساومة أو التفاوض حولها، فرب لحظات تفصل المريض عن الموت، ورب طبيب يستطيع أن يشفي مريضا بعد الله سبحانه وتعالى وآخر يودي بحياته في لحظة خطأ طبي، «وما أكثره في مستشفياتنا».
ومع زيادة عدد السكان وارتفاع الدين العام، وانخفاض مستوى الدخل وعجز الموازنة، نرى يوميا الحالة الصحية للمواطن تسوء لأن المادة والمال طغت على المبادئ والقيم الإنسانية، وحين لا يجد الطبيب من يثمن دوره الخطير في المجتمع، لابد وأن يتجرد من مبادئ القسم الذي أقسمه عند تخرجه من كلية الطب.
لذلك يجب أن نقف عند هذه النقطة الحساسة ونبدأ اليوم وقبل غدٍ بمحاسبة المسؤولين عن استقالة الأطباء من الحكومة، ومن ثم إعادة تقييم العمل الطبي والكفاءات النادرة وخاصة الوطنية منها، والحفاظ عليها من التآكل والتسرب الوظيفي، فهي ليست وظيفة إدارية الخطأ فيها يمكن إصلاحه، ولا يوجد ما هو أثمن من حياة الإنسان وصحته، فإذا كان المجتمع مريضا لن يحدث أي تقدم فيه، وإذا طغت المادة على الإنسانية سنفقد الكثير من القيم السمحة التي نفخر بأنها من صفات المجتمع البحريني الأصيل.