طباعة
sada-elarab.com/87370
ما يحدث خلال الآونة الأخيرة من تفاعلات سياسية إقليمية ودولية يذكرني بمقولة أحد الأساتذة حين كنت أدرس في بريطانيا، وقال ما معناه إذا كانت المدخلات في جهاز الحاسوب غير دقيقة فبالتأكيد ستكون المخرجات والنتائج سيئة.
ودعونا نتطرق للأمر بأسلوب اقتصادي علمي قليلاً، فهناك نموذج يسمى نموذج المدخلات والمخرجات في الاقتصاد وتستخدمه الدول المتقدمة في حساب إجمالي الناتج المحلي، وأصبح هذا العلم أداة رئيسية في التخطيط الاقتصادي القومي والإقليمي، ويبدأ بتحليل المدخلات وقياس التأثيرات الاقتصادية للأحداث، بالإضافة إلى الاستثمارات أو البرامج العامة ومدى تأثر المخرجات بها، ويتطرق هذا العلم أيضا إلى ارتباط المدخلات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية ببعضها البعض للوصول إلى النتائج المستهدفة، وربطها بالتأثيرات الخارجية.
ومن أمثلة نماذج ارتباط المدخلات ببعضها وأثرها على المخرجات في دولة مثل مملكة البحرين بصفتها دولة منتجة للنفط كونه مصدرًا رئيسًا للدخل، هو علاقته باحتياجات الدولة منه وتأثيراته على البيئة والمخزون الاستراتيجي لدى الدولة، وكذلك النفايات الناتجة عنه وأثرها على الصحة العامة، ثم يضاف إلى هذه التأثيرات الداخلية، المؤثرات الخارجية مثل السعر العالمي والصراعات الدولية وكذلك التطور العلمي، والعشرات من المدخلات المرتبطة بعنصر واحد فقط وهو «النفط» في مثالنا هذا، ولا أريد الإطالة فيه.. ولكن.
في الحالة الاجتماعية والسياسية الحالية نجد مدخلات كثيرة غير موفقة أفرزت لنا مخرجات مؤسفة أثرت على الوضع العام للمواطن، والذي كان في الأساس صاحب الاختيار «غير الموفق» للمدخلات السياسية، والآن يشعر بمدى الفارق الكبير بين اختيار مدخلات جيدة للحصول على مخرجات جيدة تطور من معيشته ومستقبله وتوفر له سبل الراحة والأمان.
ولا نريد أن نبتعد بهذا المُدخل الفردي دون التطرق إلى تفاعل المتغيرات الأخرى، وتأثير بعضها في بعضها الآخر، ولله الحمد فعلى الرغم من المدخلات «ضعيفة الأداء»، إلا أن المتغيرات الأقوى تأثيراً في القطاعات السياسية الأخرى «الحكومة والشورى» وأضف إلى ذلك مؤثرات فرعية فاعلة ولها أثر كبير لم تكن موجودة في الماضي مثل «الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي» والتي استطاعت أن تصحح بعض مسار المدخلات الضعيفة في الكثير من القضايا المصيرية التي أثرت على المجتمع.
وربما لا نعتمد في البحرين على نموذج علمي في تحديد المدخلات وأثرها على المخرجات، وخاصة عندما يكون الاختيار في يد المواطن فلا تتدخل الدولة في قناعاته لأنها تطبق مبادئ الحرية السياسية، إلا أن دراسة اختيار المسؤولين في مواقع اتخاذ القرار، يعد الأهم في تحديد مصير الدولة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا يبرز التساؤل الأهم: هل هناك نموذج لقياس المدخلات والمخرجات؟ وإذا كان موجوداً، فهل يتم حساب أثر المدخلات «العشوائية» والتي يكون لها تأثير كبير على المخرجات في نهاية السنة أو الفترة أو الفصل، وهذا السؤال يجب أن يطرح على صانعي القرار والخبراء والمستشارين المعاونين لهم.
بالفعل نحن خطونا خطوات واسعة في التجربة الديمقراطية والحياة البرلمانية، وشهدت البحرين منذ بزوغ فجر المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه، الكثير من المحطات الهامة، ومرَّ على التجربة البرلمانية العديد من الشخصيات التي كان لها أثر واضح سواء بالإيجاب أم بالسلب، لكنها تبقى تجربة في مراحلها الأولى، لو حسبناها بحسابات الديمقراطيات العريقة، لكن يبقى وعي المواطن وإدراكه للحظة اختيار المدخلات ومدى أهميتها وتأثيرها على مستقبله وأبنائه، وهذا الوعي لن يبنى في عقد أو عقدين، فربما نحتاج لفترة أطول لكي نخرج ببرلمان احترافي يستطيع على الأقل أن ينافس مجلس التكنوقراط ويصبح ندًا له.