ملفات
مكافحة الإرهاب والسياحة والطاقة.. أبرز مناقشات القمة «المصرية - اليونانية - القبرصية»
تستضيف القاهرة، اليوم الثلاثاء، القمة الثلاثية "المصرية – اليونانية - القبرصية"، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره القبرصي نيكوس أنيستاسياديس ورئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس، وتعد القمة هي الرابعة من نوعها، التي تتناول في أهم ملفاتها السياحة والزراعة والطاقة والنقل البحري وأزمات المنطقة ومكافحة الإرهاب.
وتأتي هذه القمة الثلاثية بعد ما تحقق من نتائج إيجابية خلال القمة الثلاثية الأولى التي عُقدت بالقاهرة في نوفمبر 2014، والقمة الثانية التي استضافتها قبرص في نيقوسيا أبريل 2015، ثم القمة الثلاثية نهاية العام الماضي، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز أواصر العلاقات الوطيدة بين الدول الثلاث التي تشهد حاليًا تناميًا ملحوظًا في مختلف مجالات التعاون.
ومن المتوقع أن تشهد القمة الرابعة بحث سبل الدفع بعلاقات التعاون بين البلدان الثلاثة فى جميع المجالات بما يتناسب مع التنسيق السياسي بينها فى المحافل الإقليمية والدولية، فضلًا عن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القمم الثلاثة الماضية من مشروعات مشتركة في عدد من المجالات من بينها الزراعة والاستزراع السمكي والسياحة والطاقة والنقل البحري.
وتمتاز العلاقات المصرية اليونانية بقوتها في جميع المجالات، ولا سيما في المجال الاقتصادي، إذ تحتل مصر مرتبة الشريك الاقتصادي الأهم بالنسبة لليونان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتكتسب السوق المصرية جاذبية متزايدة لدى رجال الأعمال والتجارة اليونانيين.
وتعد مصر بوابة الوصول لدول المنطقة وخاصة إفريقيا، وينعكس ذلك على التجارة بين البلدين، فضلًا عن تنامى الاستثمارات اليونانية في مختلف قطاعات الاستثمار المصرية، فمصر تحتل المرتبة الثامنة بين أكبر شركاء اليونان التجاريين على مستوى العالم، حيث بلغت نسبة الصادرات اليونانية لمصر 4٫1 % من يناير إلى يوليو عام 2015، مقابل نسبة 3٫8 % عن نفس الفترة من عام 2014.
وحسب الإحصاءات الرسمية، فتظهر الزيادة المطردة لحجم الصادرات اليونانية لمصر خلال السنوات الخمس من عام 2009 إلى عام 2013، التي بلغت 273٫5% بما يعنى تضاعفها أربع مرات خلال تلك الفترة، كما حقق التبادل التجاري بين مصر واليونان زيادة تقدر بنحو 185٫7 % خلال الفترة من عام 2009 إلى عام 2013.
وبات على السياسة المصرية جليًا العمل تجاه تبادل الرؤي وتنسيق المواقف مع دول الجوار، بما يسهم في دفع مستوي التعاون الثنائي في كافة المجالات للقفز علي العوائق.
ووفقًا لخبراء استراتيجيين، فإن لقاءات القمة الدورية التي تتم في إطار الشراكة الثلاثية بين "مصر واليونان وقبرص" تسهم في تعزيز البعد المؤسسي لهذه الشراكة، وفى تعميق التعاون وتعدد جوانبه مع مرور الزمن، أما اللقاءات الثنائية بين قيادات مصر واليونان، فتصب فى اتجاه تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين، وتمثل امتدادًا للروابط التاريخية والعلاقات الممتازة بين الشعبين المصري واليوناني.
ويجمع بين الأطراف الثلاثة قاسم مشترك في التوجهات يمكن على أساسه تدشين ركائز حقيقية قابلة للظهور في صورة سياسات عملية، برزت مؤشراتها الأولى في "إعلان القاهرة" الذي ركز على محاور أربعة، تتمثل في الأمن والتنمية والاستقرار والمكانة، تمهد لنمط من التعاون الإقليمي، القائم على أن كل طرف يعرف مصالحه، ويتحرك وفقا لما يدركه، في سياق التفكير بجدية في "توازن المصالح"، بين الدول الثلاث إزاء مشكلة داخلية أو علاقة خارجية أو دولة مجاورة أو تحولات "غير مرئية"، تعد مصلحة أو تمثل تهديدًا.
وأكد مراقبون أن هناك عديدًا من الشركات القبرصية التي تدرس الاستثمار في مجالات الزراعة وتدوير المخلفات والطاقة المتجددة، كما أن هناك ممثلين لتلك الشركات في مصر ويبحثون مع نظرائهم في القطاع الخاص المصري الفرص الاستثمارية بتلك المجالات وكيفية بدء مشاريع فيها وكذلك امكانية الشراكة مع الشركات المصرية.
كما أكدوا أن القمة الثلاثية سوف تتطرق أيضًا إلى تعزيز السياحة والتعاون بين الدول الثلاث، خاصة تيسير الرحلات الجوية بين القاهرة وأثينا ونيقوسيا لتعزيز سياحة البحر المتوسط.
ومن الناحية السياسية؛ فإن تتابع اللقاءات والزيارات مع قبرص واليونان هدفها بحث المصالح المشتركة في المنطقة، من أجل الحد من التدخلات العالمية والإقليمية في المناطق الاقتصادية لهذه الدول، وهو الأمر الذي يؤثر عليهم، وأن هذه الزيارة تكتسب أهمية خاصة في ظل تدخلات دول شرق البحر الأبيض المتوسط.
اقتصاديًا، الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط كانت حافزًا لتشجيع التعاون الإقليمي بين الدول الثلاث، وليست باعثًا على الصراع والتوتر بين دول المنطقة، هذا ما أكده إعلان القاهرة المنبثق عن القمة الأولى التي أكدت ضرورة التوصل السريع لترسيم الحدود البحرية بين دول المنطقة استنادًا إلى معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار.
وتواجه الدول الثلاث تحديات كثيرة اقتصاديًا فمن الصعب إحداث طفرة في العلاقات الاقتصادية بين الدول الثلاث لأسباب كثيرة، على رأسها الأوضاع الداخلية في كل منها، والمشاكل الاقتصادية التي تتفاوت حدتها في مصر واليونان وقبرص.
فتواجه مصر الكثير من الصعوبات الاقتصادية التي تدفع القاهرة لطلب المساعدات والقروض، كما تواجه اليونان، عضو الاتحاد الأوروبي، محن اقتصادية واجتماعية تهدد ببقائها داخل الاتحاد، ما يدفعها إلى التوجه شرقًا، وعلى الرغم من المشهد الاقتصادي المثير للقلق لدى الدول الثلاث، إلا أن الإرادة السياسية يمكن أن تلعب دورًا مهما في تطوير مسار العلاقات بين مصر واليونان وقبرص، وترفعها إلى مصاف المركز المستقبلي لعلاقات متوسطية جديدة لها آفاق واعدة.
وتسعى مصر لاستثمار تاريخها المشترك مع اليونان وقبرص بما يتسق والتحولات الجديدة في منطقة المتوسط على المستويين الأمني والاقتصادي، وخاصة في مكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط نقل الطاقة، وذلك في ظل الأزمات الاقتصادية في تلك الدول، أو نتيجة النزاعات والأزمات المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي لم تجد لها طريقا للحل منذ سنوات عدة لتنوع أطرف الصراع واختلاف أهدافهم وتوجهاتهم.
وعليها أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال القمة الأخيرة، أن هذا التعاون الثلاثي ليس موجهًا ضد أحد، ويفتح ذراعيه لأى دولة أخرى في المنطقة تريد أن تنضم لهذا التكتل، وأنه يخدم مصالح المنطقة والشعوب، وفقًا لمبادئ القانون الدولي، واحترام الاتفاقيات الدولية.
وتجمع مصر واليونان علاقة ثنائية وطيدة بدأتها الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية منذ عام 1833، ودعمها التقارب القوي في الرؤى ووجهات النظر تجاه عديد من القضايا الإقليمية والدولية، فضلًا عن الزيارات المتبادلة بين البلدين.
وتختلف العلاقة بين مصر وقبرص عن اليونان، إذ ارتبط بشكل وثيق مع الانظمة المتتابعة، وتأثرت بها صعودًا وهبوطًا، وفي فترات معينة انقطعت العلاقات بين البلدين تمامًا لعدة سنوات، لكنها لم تلبث وتحسنت بعد ذلك.
وشهدت زيارات متبادلة بين مصر واليونان عقب ثورة 25 يناير، جاءت أولها في 28 أبريل 2014، حين استقبل المشير –آنذاك- السيسي، وزير الدفاع اليوناني "ديميترس أراموپولوس" خلال زيارته لمصر، وتناول اللقاء الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وفي 5 أكتوبر 2014، جاءت زيارة هامة من الجانب المصري إلى اليونان قام بها وزير الخارجية –آنذاك- نبيل فهمي؛ للمشاركة في الاجتماع الثالث لوزراء خارجية دول جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
وفي 19 أبريل 2015، جاء "بانوس كامينوس" وزير الدفاع اليوناني على رأس وفد رفيع المستوى في زيارة رسمية إلى مصر، ضم رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة اليونانية، الفريق أول "ميخائيل كوستاراكوس"، وتكررت الزيارة في 23 من الشهر نفسه، حيث قام الرئيس اليوناني "بروكوبيس بافلوبوليس"، بزيارة إلى مصر؛ لبحث آخر التطورات الإقليمية والدولية، وسبل تدعيم العلاقات المصرية اليونانية.
وعلى الجانب العسكري، ساهم الموقع الجغرافي لليونان في تعزيز العلاقات المصرية اليونانية العسكرية، الذي تمثلت في اتفاقيات تبادل الأسلحة، وتدريبات وعروض عسكرية تقوم بها البحرية المصرية واليونانية كل فترة، كان أخرها التدريب المشترك "ميدوزا 2015".
وكانت حقبة الراحل عبدالناصر، هي بداية العلاقة الخاصة التي جمعت مصر وقبرص، برئاسة ومكاريوس الثالث، إبان فترة مساندة مصر لقبرص للحصول على استقلالها، ولم يشوبها أي توتر خلال الحقبة الناصرية من بدايتها حتى نهايتها، وشاب التوتر ثوب العلاقة القبرصية المصرية خلال عهد الرئيس السادات، مع الأزمة الكبرى التي وقعت في 19 فبراير عام 1978، حين أغارت قوات مصرية على مطار "لارنكا" الدولي في قبرص، في محاولة لتحرير رهائن عملية خطف.
كانت العلاقة توصف بـ"العادية" بينهم خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، فلم تخرج عن إطار عقد اللقاءات الرسمية بين البلدين، ولكن طوال 30 عامًا من عهده كان هناك حديث عن زيادة الواردات القبرصية من الغاز الطبيعي.
ولم يختلف الدور القبرصي تجاه مصر إبان عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث ساعدت القاهرة في استرداد أموالها من رموز النظام السابق، وجمدت أرصدة ورؤوس أموال منسوبة لعدد من رموز نظام مبارك، وأعلنت أنها في طريقها لإعادة الأرصدة المجمدة.
وفي عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، وقعت أزمة شهيرة بين مصر وقبرص عام 2013، حين اعتدت الشرطة القبرصية على سفيرة مصر في قبرص "منحة باخوم" بعد رفضها للتفتيش، مما دفع السفيرة صفع شرطية قبرصية، لكن الأمر تم تسويته بالاعتذار المتبادل بينهم.