طباعة
sada-elarab.com/737566
تحتفل مصر بذكرى المولد النبوي الشريف كل عام بطريقة مميزة تعكس تقاليد عريقة ومظاهر روحانية ترتبط ارتباطا وثيقا بالهوية الدينية والثقافية للشعب المصري.
قبل أن نغوص في تفاصيل هذه الاحتفالات، يجدر بنا إلقاء نظرة على تاريخ مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف كان العالم قبل مولده، لفهم المعاني العميقة التي تحملها هذه المناسبة.
ولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عام الفيل، وتحديدا في 12 ربيع الأول، الموافق تقريبًا لعام 570 ميلادي، ويمثل هذا اليوم بداية عصر جديد في تاريخ البشرية، حيث جاء النبي برسالة الإسلام التي دعت إلى التوحيدوالإيمان بالله الواحد ونبذ الشرك والظلم.
يحتفل المسلمون في مصر والعالم الإسلامي بذكرى المولد النبوي الشريف باعتبارها مناسبة لإحياء سيرة النبي والاقتداء بأخلاقه وتعاليمه ،يرتبط هذا اليوم بمشاعر عميقة من الحب للنبي الذي غير مجرى التاريخ بروحانيته و إنسانيته.
قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان العالم يعيش في حالة من الفوضى والظلم، حيث انتشرت عبادة الأصنام، وسادت القوانين القبلية التي كرست الظلم الاجتماعي والاقتصادي.
كانت شبه الجزيرة العربية غارقة في الحروب القبلية والصراعات المستمرة، وافتقد الناس إلى القيم الأخلاقية التي توحدهم كأمة ،كما كانت الفروق الطبقية والتمييز بين الأغنياء والفقراء شديدة الوضوح، حيث استعبد القوي الضعيف، وانتشرت اسوء الممارسات مثل وأد البنات واحتقار النساء.
في هذا السياق التاريخي الصعب، جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام التي دعت إلى تحرير الناس من عبودية الجهل والظلم، و إرساء قواعد العدالة الاجتماعية والتسامح الديني والمساواة بين البشر، لقد غير مولده مجرى التاريخ، وأصبح بداية لعصر جديد يقوم على التوحيد والعدالة والمساواة.
على مر التاريخ، أصبحت مصر من البلدان التي تتميز بتقاليد خاصة في الاحتفال بالمولد النبوي ،ويعود تاريخ هذه الاحتفالات إلى العصر الفاطمي، حيث بدأ الفاطميون تنظيم احتفالات ضخمة بهذه المناسبة ،ومع مرور الزمن تطورت هذه الاحتفالات لتشمل مظاهر متنوعة من الفرح الشعبي والروحانية العميقة.
تشتهر مصر بصناعة حلوى المولد التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تقاليد الاحتفال ،من أشهر هذه الحلويات عروس المولد التي تُعد رمزا للبهجة، كما أنها تمثل هذه الحلويات رموزاً للاحتفال والكرم، حيث يشتري المصريون هذه الحلويات للعائلات والأطفال، لتتجسد بذلك أجواء الفرح الجماعي في جميع الأحياء المصرية.
وتعد الطرق الصوفية في مصر جزءًا لا يتجزأ من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي، حيث تقيم المواكب والحلقات الصوفية التي تجذب الآلاف من المريدين والمحبين للنبي ،في هذه المواكب، تتردد المدائح النبوية والأذكار في مشاهد تجمع بين الفرح الجماعي والروحانية العميقة.
تحرص الدولة على إحياء ذكرى المولد النبوي بتنظيم فعاليات رسمية، تشمل احتفالات يُنظمها الأوقاف والأزهر الشريف ،كما تقوم المدارس والجامعات بتنظيم ندوات ومسابقات تهدف إلى تعريف الأجيال الجديدة بسيرة النبي وأخلاقه، لتصبح المناسبة فرصة للتعلم والاقتداء بتعاليمه.
يعتبر الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في مصر مناسبة تجمع بين الفرحة الشعبية والروحانية العميقة، تعبر هذه الاحتفالات عن حب المصريين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعن التزامهم بتعاليمه السمحة التي تدعو إلى المحبة والتسامح.