ملفات
زيارة السيسي لفيتنام.. مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين
ذكرت الهيئة العامة للاستعلامات أن الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فيتنام تعد أول زيارة لرئيس مصرى فى تاريخ البلدين، كما أن القمة التى ستجمع الرئيس السيسى بالرئيس الفيتنامى ترونج تان سانج، ستكون القمة الثانية بينهما بعد لقائهما فى 9 مايو 2015 على هامش مشاركتهما في احتفالات روسيا بذكرى مرور 70 عاما على الانتصار على ألمانيا "النازية" خلال الحرب العالمية الثانية، وقد أعرب الرئيس السيسى خلال اللقاء عن تقديره للرئيس الفيتنامى، مشيداً بالعلاقات الودية التى تجمع بين البلدين.
ومن المقرر أن
يعقد الرئيس لقاءات سياسية واقتصادية لدعم التعاون بين القاهرة وهانوي، فضلا عن المشاركة
فى منتدى الاستثمار المصرى الفيتنامى الذي يعقد بالعاصمة الفيتنامية، بالإضافة إلي
توقيع مذكرات تفاهم اقتصادية بين البلدين.
كما تأتى هذه الزيارة
بعد أيام من زيارة قام بها كل من وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي الدكتورة سحر نصر،
والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إلى العاصمة
الفيتنامية هانوي، في 23 أغسطس الماضي، التقيا خلالها مع رئيس الوزراء الفيتنامى نجوين
شوان فوك، في مقر رئاسة الوزراء، وكل من وزيري التخطيط والاستثمار، والنقل الفيتناميين،
حيث تم الاتفاق على توقيع مذكرتي تفاهم للتعاون في مجالي الاستثمار والبورصة، والاتفاق
أيضا على توقيع ثلاث مذكرات تفاهم بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ووزارة النقل
الفيتنامية للتعاون في مجال الموانئ، بالإضافة إلى الاتفاق على عقد منتدى أعمال مصري
فيتنامي، كما تتطلع مصر إلى فتح المجال أمام دخول استثمارات وخبرات فيتنامية إلى مصر
الفترة المقبلة، خصوصًا فى محور تنمية قناة السويس والاستزراع السمكى.
ووفقاً لتحليل
أعدته الهيئة العامة للاستعلامات، فإن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فيتنام تفتح
آفاقا واسعة أمام العلاقات بين البلدين، التى تبدو ساحة بكرا ًمنسية للتعاون وتبادل
المنافع فى مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمارت والتصنيع والتسويق، بالنظر إلى مايحوزه
كل من البلدين من مقومات وفرصاً ومزايا تجعل كلا منهما يكمل الآخر فى مجال ما، وكذلك
بالنظر للواقع الراهن للعلاقات فى هذه المجالات بين البلدين التى تبدو محدودة للغاية
مقارنة بالفرص الممكنة.. وهى حقيقة يكشف عنها مسار العلاقات السياسية والاقتصادية وطبيعة
المرحلة التى يمر بها كل من البلدين وتجربة كل منهما فى الاصلاح الاقتصادى والتنمية.
وبدأت علاقات مصر
بفيتنام بعد ثورة 1952 فى إطار التوجه العام لهذه الثورة فى أبعادها العالمية بدعم
حركات التحرر ونضال الشعوب فى التخلص من الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطنى.
فقبل ذلك لم يكن
لمصر اهتمام كبير بحرب فيتنام الاولى " الحرب الهندوصينية الاولى" المتمثلة
فى مقاومة الشعب الفيتنامى للاستعمار الفرنسى الذى جثم على صدر بلاده 100 عام، والاحتلال
اليابانى الذى استمر 5 سنوات، فاهتمام مصر بالشرق الاسيوى قبل ثورة يوليو1952 عموما،
كان ينطبق عليه العبارة الشهيرة التى نسبت للدبلوماسى المصرى المرموق محمود فوزى مندوب
مصر فى مجلس الامن فى تعليقه على مناقشة الحرب الكورية فى المجلس بأنها حرب "لا
ناقة لنا فيها ولا جمل".
وعمليا بدأت علاقات
مصر مع فيتنام رسمياً فى الخمسينيات من القرن العشرين عندما افتتحت جبهة التحرير الفيتنامية
مكتبها في القاهرة، ثم كانت مصر الدولة العربية الأولى التي تبادلت التمثيل الدبلوماسي
مع فيتنام عام ١٩٦٣، ثم أعقب ذلك افتتاح السفارة المصرية في "هانوي" عام
١٩٦٤.
ومع اندلاع حرب
فيتنام ( 1956 – 1973 ) كان موقف مصر مساندا بقوة وحسم على الصعيد السياسى لكفاح الشعب
الفيتنامى الذى كان يقود بدعم حلفائه ( الاتحاد السوفيتى السابق والصين بصفة أساسية)
حربا وطنية فى مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها ( استراليا وكوريا الجنوبية وغيرهما)
وهى حرب ذات بعد كونى فى ظل الحرب الباردة، وكان طبيعيا أن ترى مصر مكانها إلى جانب
قضايا التحرر فى مواجهة قوى الهيمنة آنذاك التى امتدت معاركها من الشرق الى افريقيا
والشرق الاوسط، بل كانت مصر نفسها ضحية لعدوان مماثل بدعم من بعض هذه القوى مرتين فى
تلك الفترة فى عامى 1956 و 1967.
وتحفل اجتماعات
الامم المتحدة وحركة عدم الانحياز وغيرهما بالعديد من المواقف المصرية الداعمة لهانوى،
والتنديد بالوحشية التى تعرض لها الشعب الفيتنامى.
بعد انتصار هانوى،
ودخول قواتها سايجون عام 1975، وتوحيد شطرى فيتنام عام 1976 كانت قد تبدلت أوضاع مصر
وفيتنام والعالم كله، وحظيت حروب الشركاء التى خاضتها فيتنام مع كل من كمبوديا والصين
فى السنوات العشر التالية 1976 – 1986 بمناشدات وجهود تسعى وتدعو لاحلال السلام فى
منطقة الهند الصينية والسعى لتخفيف الآثار الإنسانية المؤلمة لهذه النزاعات.
ومع اتجاه فيتنام
نحو الاستقرار والتنمية، بدأت العلاقات بين هانوى والقاهرة تأخذ منحى عمليا يركز على
الجوانب ذات الطابع الاقتصادى والتعاون الفنى فى عدد من المجالات، الأمر الذي تجسده
الاتفاقات التى عقدت بين البلدين منذ بداية التسعينيات حتى الأن، وكذلك الزيارات المتبادلة
بين المسئولين .
يذكر تقرير هيئة
الاستعلامات أنه بعد أول اتفاق للتعاون الثقافى بين مصر وفيتنام عام 1964، لم يتضمن
سجل العلاقات بينهما على مايبدو اتفاقات أخرى قبل مذكرتين للتعاون عام 1993 الاولى
بين مركز البحوث الزراعية المصري ومعهد الهندسة الوراثية الفيتنامي والثانية مذكرة
تفاهم بين وزارتي الأشغال العامة والموارد المائية في مصر وفيتنام، وفى عام 1994 تم
توقيع اتفاقية تجارية بين البلدين، ثم بروتوكول تعاون بين وزارتي خارجية مصر وفيتنام
عام 1996 و3 اتفاقيات عام 1997 هى اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتقني، وأخرى لتشجيع
الاستثمارات وحمايتها، والثالثة اتفاقية للتعاون العلمي والتكنولوجي.
ثم وقعت مذكرة
تفاهم بين وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في مصر ووزارة التجارة في فيتنام عام
٢٠٠١ ثم فى عام 2006 تم توقيع اتفاقية بشأن تفادي الازدواج الضريبي والبرنامج التنفيذي
للتعاون الثقافي والاجتماعي ومذكرة تفاهم في مجال السياحة.
وخلال انعقاد اللجنة
الوزارية المشتركة بالقاهرة عام 2008 تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات وبروتوكولات
التعاون في مجالات البترول والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والسياحة والمعارض.
أما على صعيد الزيارات
المتبادلة فإنها أيضا محدودة، وتنحصر فى اجتماعات الفنيين أو اللجان المشتركة، حيث
توجد لجنة وزارية مصرية فيتنامية مشتركة عقدت عدة دورات بالتناوب فى البلدين ولكنها
لم تنعقد فى السنوات الاخيرة.. بالاضافة الى زيارات مسئولين وفنيين ورموز ثقافية من
البلدين حيث زار السفير/أحمد اسماعيل عبد المعطي، مساعد وزير الخارجية للشئون الآسيوية
آنذاك، فيتنام في نوفمبر 2013 للمشاركة في منتدى التعاون الاقتصادي بين فيتنام وشركائها
من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولرئاسة الجانب المصري في فعاليات الجولة السابعة
من المشاورات السياسية بين وزارتي خارجية البلدين، كما شارك الكاتب/ محمد سلماوي رئيس
اتحاد كتاب مصر آنذاك في أعمال الاجتماع الأول للمكتب الدائم لاتحاد الكتاب الأفروآسيوي
والذي عُقد في فيتنام خلال الفترة من 25 – 30 أغسطس 2013.
وأبرز الزيارات
من الجانب الفيتنامى قيام وفد برئاسة تران داك لو، النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات
الخارجية بالبرلمان الفيتنامى، بزيارة لمصر في 8 مايو 2017 التقى خلالها ببعض أعضاء
البرلمان المصرى ونقل دعوة للرئيس عبد الفتاح السيسى لزيارة فيتنام.
كما قام وزير الدولة
الفيتنامي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي الحاكم في فيتنام بزيارة لمصر
في 16 نوفمبر 2015، حيث التقى به المهندس شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء، الذي أشاد
بالتجربة الفيتنامية في التنمية الاقتصادية خصوصا في مجال المصايد والمزارع السمكية،
مؤكدا تتطلع مصر للاستفادة من تلك التجربة.
كما زار رئيس الهيئة
الوطنية للسياحة الفيتنامية ووفد مُرافق مصر خلال الفترة (23– 27 مايو 2013)، كما قام
وفد من مركز دراسات إفريقيا والشرق الأوسط بالأكاديمية الفيتنامية للعلوم الاجتماعية
بزيارة إلى مصر خلال الفترة (1 – 7 ابريل 2012) التقوا خلالها بمدير معهد الدراسات
الدبلوماسية فضلا عن زيارة عدد من المراكز البحثية المصرية.
كذلك قام نائب
وزير الخارجية الفيتنامية على رأس وفد من وزارات ( التجارة والصناعة، الزراعة والتنمية
الريفية، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التعليم والتدريب ) بزيارة رسمية إلى مصر
خلال الفترة (25- 27 يونيو 2011)، عقدت خلالها الدورة السادسة من المشاورات السياسية
بين وزارتي خارجية البلدين.
ويرى تقرير هيئة
الاستعلامات أن العلاقات الاقتصادية مازالت محدودة ولا ترتقى الى مستوى الفرص المتاحة
أمام البلدين، وبحسب آخر الاحصائيات، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وفيتنام حوالي
314 مليون دولار عام 2016، بلغ حجم الصادرات الفيتنامية إلى مصر294 مليون دولار، وضمت
قائمة الصادرات الفيتنامية إلى مصر الأسماك والمأكولات البحرية والمنتجات الزراعية
والمنسوجات والملابس والهواتف المحمولة والمعدات وقطع الغيار والمركبات والمكونات الإلكترونية،
أما الصادرات المصرية إلى فيتنام فبلغت حوالي 20 مليون دولار فقط، وشملت المواد الكيماوية
والعسل والمنتجات البترولية.
فى المجال الثقافى،
تقدم مصر عدداً من المنح الدراسية للطلبة والباحثين الفيتناميين تتضمن 12 منحة لدراسة
اللغة العربية بجامعة القاهرة لطلبة جامعتي هانوي وهوشي منه للغات و3 منح دراسية بالأزهر
الشريف للطلاب الفيتناميين من المسلمين و5 منح لدورات تدريبية من المركز الدولي بوزارة
الزراعة..ومنذ افتتاح قسم دراسة اللغة العربية بكلية اللغات الأجنبية بجامعة هانوى
الوطنية فى عام 2006، يوفد الأزهر الشريف أستاذا مصرياً للإشراف على دراسة اللغة العربية
به.
وتملك مصر وفيتنام
تجارب ثرية، وفرصاً للتعاون والتكامل، ورغبة صادقة لتطوير العلاقات يدعمها تاريخ يحفل
بدعم متبادل فى أصعب المراحل.. كل هذا يضاعف من أهمية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى
فى هذا التوقيت بصفة خاصة.. لتطلق هذه الزيارة مرحلة جديدة من تبادل الخبرات والتجارة
والاستثمارات والمنافع بين مصر وفيتنام.