ملفات
الأزمة القطرية وآفاقها المستقبلية
الأربعاء 14/يونيو/2017 - 12:51 م
طباعة
sada-elarab.com/45496
دخلت الأزمة القطرية مرحلة التبريد السياسي بعد تعثر مفاوضات الوساطة الدبلوماسية التي قامت بها بعض الدول الخليجية أو العربية أو عروض الوساطات من جانب بعض الدول العالمية، الأمر الذي وضع الأزمة في مفترق طرق، لا قبول للوساطات ولا تراجع من جانب الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر.
وإذا كانت الأزمة اندلعت وكأنها أزمة خليجية تتعلق بأعضاء مجلس التعاون الخليجي بالإضافة لمصر، فإن الأزمة سرعان ما اتسع مداها وانضم الى جانب المقاطعين لقطر دول عربية أخرى من خارج مجلس التعاون الخليجي مثل ليبيا واليمن وبشكل آخر الأردن، ثم انضمت بعد ذلك الى هذه الدول دول أخرى غير عربية مثل المالديف وموريشيوس وجزر القمر وسحبت كل من السنغال وتشاد سفيرها من الدوحة.
وربما كان أقوى الإجراءات هو إغلاق الحدود البرية بين السعودية وقطر، فتلك الحدود هي الحدود البرية الوحيدة لقطر، مما يعنى أنه بمثابة قرار حصار كامل لقطر، خاصة إذا أضيف له القرار الذى اتخذته الدول الأخرى بإغلاق مجالها الجوي أمام الطيران القطري، وهو ما يحكم الحصار تماما حول قطر، بل إن بعض الدول التي لم تقطع علاقاتها مثل المغرب وجدت نفسها مضطرة لتجنب الطيران الى قطر بعد أن أغلقت بعض الدول التي قطعت العلاقات مثل الإمارات جميع المنافذ البحرية والجوية أمام أي سفن أو طائرات قادمة من قطر أو مغادرة إليها سواء كانت قطرية الجنسية أو غير ذلك، وقد كانت شركة الطيران المغربية تسير الكثير من الخطوط الى إفريقيا غربا وإلى آسيا شرقا عبر مطار الدوحة.
وباتت الأزمة تراوح مكانها في ظل تصاعد وطأة التأثيرات السلبية السياسية والاقتصادية على قطر وفرض العزلة عليها، سواء بسبب تعنت وتصلب موقفها وعدم إبداء بوادر الانصياع لإرادة البيت الخليجي والعربي، أو بسبب تصعيدها ضد بعض دول مجلس التعاون الخليجي ومساومتها على الأسباب السياسية والأمنية التي بسببها أقدمت الدول الخليجية والعربية على اتخاذ موقفها وقطع العلاقات مع قطر وفرض عليها الحصار براً وجواً، الأمر الذى أحدث ارتباكا سياسيا للموقف برمته.
وبدلاً من ذلك اختارت قطر إزاء قرارات الدول المقاطعة لها، أن تصعد من هجومها على تلك الدول، حيث وصفت قطر ما حدث بأنه محاولة لفرض الوصايا على قطر، وأنها ترفض الرضوخ لما أسمته "الشروط السعودية"، كما تمت اتصالات بين الدوحة وكل من طهران وأنقرة نتجت عنها تصريحات إيرانية بأنها تفتح جميع أجوائها أمام الطيران القطري، وتصريحات من تركيا تتحدث عن قوات عسكرية تركية تستعد للنزول في قطر بعد أن تمت موافقة البرلمان التركي على ذلك، وعن قيام حلف عسكري تركى قطري، بل وعن إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر.
ارتباك في المواقف
باتت السمة المميزة للأزمة القطرية الآن هو الارتباك والتشابك والتعقيد، وبالتالي يطرح المحللون السياسيون تساؤلات كثيرة ومنها ما هو متعلق بـآفاق وحدود الأزمة ومستقبلها، وهل الأزمة باتت معرضة للتصعيد واحتمالات التدويل أم أنه يمكن احتواؤها بعد جولات أخرى دولية وإقليمية وعربية وخليجية من مفاوضات الوساطة، وما هي الضوابط الحاكمة لتصعيد الأزمة؟
يمكن القول أن الموقف الأمريكي من الأزمة هو أحد الأسباب الرئيسية لحالة الارتباك المميزة لها، فلم يكد ينته وزير خارجية أمريكا ركس تيلرسون من تصريحاته التي طالب فيها الدول العربية الخمسة، بتخفيف قيودها على قطر بعد أن بدأت تنفيذ عدد من الشروط المهمة التي اقترحها الوزير الأمريكي أهمها، إبعاد بعض قادة الجماعات الإرهابية، وإعادة النظر في نظامها المصرفي بما يحول دون تبييض وغسيل الأموال والكف عن تمويل جماعات الإرهاب..حتى خرج الرئيس ترامب ليصرح في مؤتمر صحفي مع الرئيس الروماني /أن دولة قطر للأسف قامت تاريخياً بتمويل الإرهاب وعلي مستوي عال جداً" وأضاف "لقد قررت مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون وكبار جنرالاتنا وطواقمنا العسكرية أن الوقت قد حان لدعوة قطر إلي التوقف عن تمويل الإرهاب".
ومن الملاحظ أن ثمة تباين في التصريحات الأمريكية، فرغم تضارب البعض منها، فإن الرئيس الأمريكي شدد في اتصال هاتفي مع العاهل السعودي علي ضرورة الحفاظ علي وحدة منطقة الخليج ودور مجلس التعاون الخليجي في مكافحة الإرهاب، قائلاً "من المهم أن يكون الخليج متحداً من أجل السلام والأمن في المنطقة".
سيناريوهات الأزمة
في ظل المشهد الراهن لتطورات مواقف جميع أطراف الأزمة القطرية المباشرين وغير المباشرين، الخليجيين والعرب والقوى العالمية، ثمة بعض السيناريوهات المطروحة بشأن الأزمة وآفاقها المستقبلية وهي على النحو التالي:
السيناريو الأول: الوصول لحلول ترتضيها كل أطرف الأزمة بعد فترة قد تطول من المفاوضات السياسية، خاصة بعد أن تتعهد قطر بتعديل سلوكها السياسي وتستجيب للمطالب الواضحة بتغيير سياستها الداعمة للإرهاب والالتزام الصارم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وإثارة القلاقل والتخلص من فلول الإرهابيين الذين تأويهم وتدعمهم، فإذا استطاعت قطر الالتزام بذلك بطريقة مقنعة وقابلة للقياس والمراقبة فإن مخرجاً دبلوماسياً سيكون هو الحل.
السيناريو الثاني: توقيع المزيد من العقوبات على قطر حتى تعود للبيت الخليجي، ويتمثل هذا السيناريو في اتخاذ الدول الأطراف المباشرة في الأزمة "إجراءات عقابية" تزيد من حدة الضغوط على قطر سياسياً واقتصادياً، الأمر الذي يدفعها إلى تليين موقفها.
ويبدو أن دول الخليج الثلاث السعودية والأمارات والبحرين لن تقبل بإعادة العلاقات الدبلوماسية قبل اتخاذ قطر خطوات من شأنها إزالة نقاط الخلاف، وهنا سيكون للموقف الأمريكي دوراً حاسماً.
السيناريو الثالث: تصعيد الأزمة، وهو أمر من الصعب استمراره خاصة مع عدم رغبة قطر في الرد على الإجراءات الخليجية، فضلاً عن تراجع أميرقطر عن إلقاء خطاب للشعب القطري، استجابة لطلب أمير الكويت.
ويدعم استبعاد هذا السيناريو، تشابك وتعقيد الأطراف الإقليمية والدولية للأزمة خاصة موقف إيران وتركيا، والموقف الأمريكي الذي لا يسمح بأن تصل الأزمة إلى حد انهيار وحدة مجلس التعاون الخليجي وتفككه، بما يحمله ذلك من خطورة على المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.. ناهيك عن التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط من خلافات وأزمات وحروب، وأن المنطقة ليست في حاجة إلى افتعال أزمات جديدة.
ويبقى القول أن الأزمة القطرية سوف تشهد مراحل جديدة من المد والجزر، من المفاوضات السلمية، ومن تعنت في المواقف، حتى يتم الاتفاق على آلية مناسبة يتم بها احتواء الأزمة وعدم تصعيدها إلى حد الحرب أو تفكك كيان مجلس التعاون الخليجي.