ملفات
العلاقات الدبلوماسية مع قطر.. الأزمة والتحديات التي تشهدها منطقة الخليج
الأربعاء 07/يونيو/2017 - 11:50 ص
طباعة
sada-elarab.com/44441
يأتي قرار عدد من الدول العربية والخليجية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، كاشفاً لعمق الأزمة والتحديات التي تشهدها منطقة الخليج وفي القلب منها مجلس التعاون الخليجي المنظمة الإقليمية الوحيدة المستمرة رغم الأنواء التي أتت على المنطقة، سواء النابعة من دولها أو النابعة من البيئة الإقليمية والعالمية.
فقد كان المسلك القطري متحدياً لكل الأعراف والتقاليد العربية، وتجاوز كل الأطر القانونية للعلاقات العربية العربية، وجاء القرار بقطع العلاقات مع قطر، إثر تصريحات لأميرها مثلت الخطوط العريضة لسياسة قطر حول قاعدة "العديد" ووجود تواصل مستمر مع إسرائيل، و وأنه ليس من المصلحة التصعيد مع إيران ، مثل هذه التصريحات القطرية تحمل ضربة قوية للنظام الإقليمي العربي والأمن القومي العربي.
وقد وصف العديد من الخبراء والسياسيين قرارات مصر والسعودية والإمارات والبحرين واليمن وليبيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية وما تبعها من قرارات بأنها "قرارات صائبة، وأنها تأخرت طويلا"، فهى قرارات تعبر عن نبض الشارع السياسى ونفاد الصبر على المواقف التى تتخذها الحكومة القطرية والتى تسعى إلى تهديد الأمن القومى العربي، وتوقع الخبراء أن تمتد حملة المقاطعة إلى دول أخري، بعد أن قاطعت الشعوب العربية حكومة قطر التى يجب أن تدفع ثمن دعمها للإرهاب.
فقطع العلاقات هى خطوة أكدت نفاد صبر الدول العربية والخليجية من سياسات قطر وهددت فى الأساس الأهداف الرئيسية التى أنشأ عليها مجلس التعاون، ووضعته بالتالى فى مفترق طرق، ويبقى على الدوحة التفكير ملياً والتراجع عن إجراءاتها للرجوع للبيت الخليجى وحفظ وحدته.
وهذه ليست المرة الأولى التى تقف فيها الدوحة فى مواجهة مباشرة مع دول أعضاء فى المجلس، ففى عام 2014 سحبت دول أعضاء فى مجلس التعاون سفراءها من الدوحة احتجاجا على الدعم الذى تقدمه قطر الى الحركات الإرهابية.
تماسك أم تفكك وتحلل؟
في ظل هذه الحالة من التوتر والضبابية التي تشهدها منطقة الخليج، بات مجلس التعاون الخليجي في مهب الريح، رغم ظهور دعوات خليجية بترميم الشرخ الذي حدث في العلاقات القطرية مع دول الخليج، والدعوة للحوار وإعادة لم الشمل كما حدث في أزمة سحب السفراء الخليجيين من قطر عام 2014، ولكن يبدو الحال هذه المرة أكثر تعقيداً بعد أن اتسعت رقعة الخرق، فلم تطال الأزمة الخليج فقط، إنما كانت قطر ممول ومدرب ومسلح للعمليات الإرهابية التي وقعت في مصر.
وهنا يقف مجلس التعاون الخليجي أمام سيناريوهات أكثر تعقيداً وهي على النحو التالي:
السيناريو الأول: أن يتم إعادة هيكلة مجلس التعاون تتضمن استبعاد قطر من المنظومة،خاصة أن مفهوماً جديداً لأمن الخليج سوف يفرض نفسه تدريجياً، وهذا المفهوم الجديد سوف يحرص على إدراك متغيرين أساسيين جديدين على معادلة الأمن الخليجى. المتغير الأول يتعلق بمصادر التهديد، حيث فرضت مصادر التهديد الداخلية النابعة من قطر نفسها بما يفوق أو بما يعادل أو يوازن مصادر التهديد الخارجية.
وأن تحقيق الأمن فى مفهومه الجديد لن يعتمد بالدرجة الأولى على الوسائل الأمنية بل على أدوات سياسية اجتماعية اقتصادية وثقافية وإعلامية تتواءم مع المطالب والضغوط ذات العلاقة بمصادر التهديد الداخلية للأمن: المصادر السياسية والمصادر الاجتماعية والمصادر الثقافية.
أما المتغير الثانى فيتعلق بما ظهر من خلافات مع الحليف الأمريكى من جانب بعض دول المجلس وخاصة من قطر بعد أن وضعت قطر الإدارة الأمريكية وشخص الرئيس دونالد ترامب فى مأزق الاختيار بينها وبين السعودية من منظور أولوية القواعد العسكرية الأمريكية فى قطر، خاصة قاعدة العُديد، على ما عداها من القواعد العسكرية فى المنطقة وفى الخليج على وجه الخصوص فى الدفاع عن المصالح الحيوية والإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة.
هذا المأزق تضمنه البيان المنسوب إلى أمير قطر تميم بن حمد آل ثانى في 24 مايو المنصرم، أى بعد يومين فقط من اختتام القمم الثلاث: السعودية - الأمريكية، والخليجية - الأمريكية، والعربية الإسلامية – الأمريكية التي شهدتها الرياض.
السيناريو الثاني: أن تنجح الوساطات الدبلوماسية من جانب بعض دول الخليج في سد الفجوة وتقريب العلاقات بعد أن تعلن قطر ندمها على مسالكها المسيئة تجاه مصر والخليج وعدد من الدول العربية، وأن تدخل قطر بيت الطاعة الخليجي من جديد وفق شروط جديدة ترتضيها بقية دول مجلس التعاون الخليجي.
ويمكن أن يأخذ هذا السيناريو بعض الوقت نظراً لجسامة الفعل القطري الذي أساء لكل الدول العربية، ولكن في النهاية يظل مجلس التعاون الخليجي قائماً على مرئيات وأطر جديدة حاكمة لمسيرته ومستقبله.
أما السيناريو الثالث: وهو أن يتفكك ويتحلل مجلس التعاون الخليجي وهذا اصعب السيناريوهات المتوقعة، بحكم الميراث التاريخي والثقافي والروابط المشتركة بين دول المجلس والتي قد تكون دافعاً للحفاظ على كينونته في خضم موجات التطرف والإرهاب التي تجتاح العالم أجمع.
ويبقى التأكيد على أن منطقة الخليج سوف تشهد حالة من التجاذبات السياسية التي تهدد وحدة وكيان ليس فقط مجلس التعاون الخليجي، أو تهز أركانة الثابتة منذ 25 مايو 1981، إنما تهدد كيان واستقرار بعض دول المنظومة الخليجية ذاتها في سياق إعادة مشهد الربيع العربي عام 2011 ولكن هذه المرة يحمل البصمة الخليجية وربما تكون البداية من قطر.