لطالما حظيت المنظمات الحقوقية في العالم بجدل كبير من أطراف الصراعات بشتى أنواعها، فهناك من يجد في تقاريرها الحق المبين وآخرين يشككون فيها وفي تقاريرها ونواياها ويضعونها في مربع المؤامرات على الدول المقصود بها التقرير الصادر.
ونحن لسنا بصدد الحديث عن تلك الجدلية التي
لن تنتهي طالما حيينا وعاشت تلك المنظمات في العالم المعاصر بما يحويه من صراعات أزلية،
وإذا ما تطرقنا إلى الهدف الأسمى من وجودية تلك المنظمات والأهداف المعلنة للجميع،
ألا وهي حقوق الإنسان والدفاع عنها والسبل المتبعة في ذلك، أيضا سنجد اختلافًا شاسعًا
يراه الفريقان في آليات عمل المنظمات ويتدخل عنصر التشكيك وتأويل الأفعال، ولا نلوم
أحدًا في هذا الشق أيضا.
لكن الكثير من المنظمات الدولية التابعة
للأمم المتحدة استطاعت أن تقدم خدمات إنسانية مثلت علامات فارقة في دول تأتي على رأسها
منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا نظرًا لما تكبدته تلك المناطق من صراعات وحروب مستمرة
حتى كتابة هذا المقال، وعلى سبيل الذكر وليس الحصر فإن منظمات مثل «الفاو» المختصة
بالاغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية، و«اليونسيف»، وبرنامج الامم المتحدة الانمائي،
ومنظمة اليونسكو «التربية والعلوم والثقافة»، وصندوق الامم المتحدة للسكان، وبرنامج
المستوطنات البشرية، ومكتب مفوضية شؤون اللاجئين، واليونيدو «التنمية الصناعية»، ومنظمة
الصحة العالمية.
ولا يأتي التشكيك عادة في عمل تلك المنظمات
سالفة البيان، لأن عملها ذو قيمة إنسانية عالية للمجتمعات دون الولوج في مسار السياسة،
ولذلك فهي تحظى باحترام وتقدير من كافة أنظمة الحكم في العالم، وإنما ينحصر الشك في
المنظمات الحقوقية المناهضة لقمع حريات الإنسان وحقوقه، وبعض المنظمات الأخرى مثل صندوق
الامم المتحدة الانمائي للمرأة، وبخاصة في منطقتنا.
ولدينا عدد لا بأس به من المنظمات الحقوقية
المحلية التي تعنى بحقوق الإنسان في كل دول المنطقة، لكنها مازالت أيضا قيد تشكيك وعدم
تصديق من المنظمات المتقابلة مثل هيومان ريتس ووتش والتي أنشئت أساسا إبان الحرب الباردة
لمراقبة الاتحاد السوفييتي ومدى امتثاله للأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان، ولذلك لا
تلقى ترحيبا في المنطقة لسبب نشأتها الذي كان يهدف بالأساس لمصالح أمريكا.
وللخروج من مأزق الصراع بين تلك المنظمات
الحقوقية، نجد أن المنظمات الإغاثية والإنمائية هي الوحيدة التي تحتفظ بسمعة طيبة ومساحة
واسعة من الثقة في كافة المجتمعات، وذلك لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج عمل متراكم له
نتائج في كافة بقاع العالم، ولعل هذا ما يجعلنا نفكر بجدية في كيفية تأسيس منظمات إقليمية
تعنى بالإغاثة وتنمية المجتمعات، وتعزيز دور المتواجد منها على الأرض وتقديم الدعم
لها.
فأهداف المنظمات الإغاثية لا يختلف عليها
أحد من الفرقاء، ولكن ليكتمل العمل، فلا مفر من دعم حقوق الإنسان «بأشكال متنوعة»،
وأيضا مكافحة الإرهاب الذي بات لصيقا بقضيتي الإغاثة وحقوق الإنسان.
وقد جمعت إحدى المنظمات الإقليمية هذه المحاور
الثلاثة في سلة واحدة، إدراكا منها بالارتباط الوثيق للقضايا الثلاثة «الإغاثة – حقوق
الإنسان – مكافحة الإرهاب»، وهي منظمة الوحدة العربية الأفريقية للإغاثة وحقوق الإنسان
ومكافحة الإرهاب، بل إنها تتمتع ببعد عربي إفريقي يشمل - وفق منظوره - الدول الإفريقية
ذات الانتماء العربي، ولو كانت تلك الدول خارج منظومة جامعة الدول العربية.
أتوقع وأتمنى للمنظمة النجاح وسط خضم المؤسسات
الحقوقية في الدول العربية، نظرًا لأهدافها الثلاثة المعنونة، والتي أدرك مؤسسوها أنها
لا تتجزأ، وأن ثلاثتهم يخدمون الهدف الأسمى في عملها وهو الإنسان.