تحقيقات
زواج القاصرات كارثة تهدد المجتمع بين زوجان لا يعترف الأول بالآخر وبين أطفال مشردة
الإثنين 08/أبريل/2019 - 11:32 ص
طباعة
sada-elarab.com/141146
ظاهرة زواج القاصرات اصبحت خطر يهدد المجتمع ، واصبحت ظاهرة تقتل برائة الطفولة ، وتقتل ضمير وقلب الفتاة وعقلها ولاسباب كثيرة يبيع الأب والأم ابنتهما القاصر التى لا تعرف معنى للزواج أو تستطيع تحمل مسئولية منزل، لذا انتشر زواج القاصرات بشكل كبير فى معظم محافظات مصر، خاصة فى القرى والأقاليم في السنوات الأخيرة، رغم خطورة الظاهرة علي الفتيات الصغيرات صحياً ونفسياً واجتماعياً.
فيما أكد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي إحنا قاسيين أوى على أولادنا وبناتنا".. بتلك العبارة وصف ما يحدث بسبب زواج القاصرات والزواج المبكر خلال احتفالية إعلان التعداد السكانى لعام 2017.
وتعجب الرئيس من زيادة عدد المتزوجات فى سن الـ12، قائلًا: "بنت عندها 12 عامًا.. نحملها مسؤولية زواج وبيت.. انتبهوا لأولادكم وبناتكم لأن ذلك يؤلمنى ويؤلم أى إنسان عنده ضمير حقيقى، واهتمام حقيقى بأبنائه وبناته".
وحسب التعداد السكانى على مستوى الجمهورية لعام 2017 / 2018 فإن عدد المواطنين المتزوجين أقل من 18 عامًا فى مصر بلغ 18.3 مليون نسمة، وتمثل حالات زواج القاصرات 14% من إجمالى حالات الزواج فى مصر سنويًا، وتصدرت المحافظات الحدودية القائمة بنسبة 23% وبعدها الصعيد، والنسبة الأكبر من زواج الحدث يصل من 30 إلى 40% بالصعيد والقرى والأرياف، فيما وصل تعداد السكان فى 18 إبريل 2017 أكثر من 94 مليون مصرى بالداخل، بالإضافة إلى أكثر من 9 ملايين مصرى بالخارج. وبلغ عدد المصريين بالخارج والداخل 104 ملايين نسمة
فيما أوضح الدكتور خالد مجاهد، المتحدث باسم وزارة الصحة، أن أعلى نسبة للمتزوجات أقل من 20 سنة بمحافظة القاهرة 9.1%، وفى الجيزة 8.1%، وفى الشرقية 7.7% فى حين كانت أقل المحافظات الحضرية هى محافظات السويس، وبورسعيد بنسبة 0.7%، ويرتفع متوسط عدد الأطفال في حالة الزواج قبل 18 سنة إلى حوالى 3.7 طفل، بينما يكون المتوسط 2.79 فى حالة الزواج بعد عمر 22 سنة، ومعدل وفيات الأطفال بالنسبة للفتيات القاصرات 29 لكل ألف مولود.
وبشهادات بعض حالات زواج القاصرات فتحكى شيماء . ع، إحدى القاصرات التى تورطت فى الزواج عرفيًا، بسبب ضغط أهلها، قائلة: "تزوجت من رجل يكبرنى بـ20 عامًا، وتوفى بعد الزواج بشهرين، ولكن فوجئت بحملى، لأواجه مشكلة إثبات الزواج لى، وعمرى لم يتعدَّ الـ15 عامًا، وإثبات نسب طفلى وميراثه، بسبب عقد عرفى قام بعقده أحد المحامين مقابل الحصول على أموال".
واضافت اسماء . خ . فتاة أخرى لم يتعدَّ عمرها الـ 17 عامًا.. تزوجت عرفيًا لدى محامٍ، وبعد فترة هجرها زوجها رغم علمه بحملها، ورفض إثبات نسب طفلته، حتى لا يتورط فى نفقة شهرية، وتركها تواجهه مصيرها أمام المحاكم لإثبات صحة الزواج ونسب طفلها القادم.
زواج القاصرات تملأ أروقة المحاكم المصرية على مستوى المحافظات، وطبقًا للبيانات الصادرة عن قطاع الأحوال المدنية يتم ضبط قضية زواج قاصرات بعقود وهمية كل يومين وربع، أى بمعدل 12 قضية فى الشهر لتصل النسبة السنوية ما بين "144-200" قضية سنوية بخلاف ما يتم فى الخفاء ولا يكشف إلا بعد وقوع كارثة. وأكدت المراكز المهتمة بقضايا المرأة، أن نسبة 90% من زواج الحدث الذى يتم بعقود مزورة يسفر عن جريمة وأن نسبة إقدام الفتيات القُصَّر على محاولة الانتحار خلال عام 2015 كانت 10% من إجمالى الزيجات ونسبة 2% من محاولة الانتحار كانت من الذكور الذى تزوجن فى سن صغير نقيب المأذونين الشيخ إسلام عامر، أكد أن "نسبة الزواج العرفى والمتمثل فى زواج القاصرات، منتشر بصورة مفزعة وتعدى 60% بسبب أئمة المساجد المتورطين فى قرابة 90% من الحالات، ومن أشهر القرى التى يتم فيها عمل ذلك قرية طوخ، وقرية العمار وقرية صمط الجزيرة، و2% من الفتيات التى تتراوح أعمارهن من 12: 16 عامًا، يتزوجن زواج قاصرات، و98% الباقية تحدث بين الفتيات اللاتى تتراوح أعمارهن من 16 : 18 عاما".
فيما قامت الدولة بتعديل قانون المأذونين
وطبقًا لتصريحات وزارة العدل، هناك تعديلات جديدة لقانون المأذونين، تقوم بإلغاء اعتماد المأذون على شهادة تسنين الزوجة قبل عقد الزواج، وباعتماد بطاقة الرقم القومى لمعرفة سن الزوجين عند الزواج كشرط أساسى لتحرير عقد القران، ويستند المأذون فيما يتحقق منه على ما تتضمنه البطاقة من بيانات الحالة المدنية، ويثبت بالوثيقة رقم بطاقتى الزوجين وجهة صدورهما.
أما الدكتور محمد حسين، أخصائى أمراض النساء والتوليد، فقد شرح مخاطر الزواج المبكر قائلًا: "الأعضاء التناسلية للفتاة فى هذه السن الصغيرة لا تزال غير مكتملة بنسبتها الكاملة، مما يجعلها لا تستطيع تحمل أعباء الحمل والولادة، وتكون عرضة لأمراض السكرى، والضغط، وولادة أطفال لديهم تشوهات خلقية، كما تزيد معدلات وفيات الأمهات والأطفال خلال فترة الحمل والولادة، نتيجة عدم قدرة أجسامهن على الحمل والولادة، وغالبًا ما تكون قيصرية، لعدم قدرة جسم الفتاة على الوضع بشكل طبيعى نظراًل لضعف الشديد به، هذا بالإضافة إلى أن الطفلة لا تملك ثقافة وخبرة التعامل مع الأطفال، وتتعرض لمخاطر الشيخوخة المبكرة بسبب وهن الجسد وكثرة الإنجاب".
وتابع: "هناك أيضًا الأضرار النفسية، والتى تتجسد فى الحرمان العاطفى من حنان الوالدين ومرحلة الطفولة، وبالتالى الإصابة بأمراض نفسية مثل الهستيريا، والاكتئاب والقلق، واضطرابات الشخصية، واضطرابات العلاقات الجنسية بين الزوجين نتجية عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة".
القوانين المجرمة
وقَّعت مصر على اتفاقية عام 1990 لحماية الطفل والتى يُجرم توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة، وتضع شرطًا للتوثيق بإتمام الفحص الطبى للراغبين فى الزواج، ويعاقب تأديبيًا كل من وثّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة.
وقد أقرت المادة 31 مكرر، والتى أضيفت إلى قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، بشأن الأحوال المدنية، ونصت على أنه "لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق إجراء الفحص الطبى للراغبين فى الزواج، للتحقق من خلوهما من الأمراض التى تؤثر على حياة أو صحة أى منهما، أو على صحة نسلهما.
ويعاقب تأديبيًا كل من وثَّق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة"، وبالمثل المادة رقم 227 / 1 من قانون العقوبات نصَّت على أنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن 300 جنيه كل من أبدى أقوالاً أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق".
وهو ما أكده هانى هلال، رئيس الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أن قانون الطفل وقانون العقوبات يجرم زواج القاصرات، ولكن الظروف الاقتصادية وأمية الأطفال وزيادة عدد سماسرة الفتيات والزواج السياحى وراء انتشاره، وتنوعت وسائله ما بين محامٍ لعقد الزواج العرفى المؤقت ويضمن لأهل الفتاة حصولهم على المهر نقدًا بعد خصم نسبة السمسرة، أو عن طريق شهادات صحية "مزورة" من الإدارات الصحية الحكومية، تثبت بلوغ سن الفتاة الـ18، ويتم استخراج شهادة الرقم القومى، وإتمام الزواج، وغالبًا ما تكون بالاتفاق بتحديد سن أكبر من الحقيقة، ويتورط أئمة المساجد والمأذونيين فى ذلك.
آليات حل الأزمة
وعقب حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى عن أزمة الزواج المبكر، أعلنت أكثر من جهة حكومية عن آليتها لمواجهة خطر زاوج القاصرات، فعكف قطاع التشريع بوزارة العدل على دراسة مشروع قانون يجرم الزواج المبكر لمن هم أقل من سن الـ18 عامًا، والذى أعدته وزارة الصحة والمجلس القومى للسكان وأرسلته إلى الوزارة، لوضع العقوبات الرادعة المناسبة لتجريم الزواج المبكر، تمهيدًا لإرساله إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه ثم مجلس النواب لمناقشته وإقراره، وسيتضمن تعريف الزواج المبكر، واعتبار الزواج المبكر لأقل من 18 عامًا هو اتِّجار جنسى، بالإضافة إلى شمول العقوبة لكل من شارك وتورط فى ارتكاب الجريمة، وأبرزهم ولى الأمر، والمأذون أو المحامى المسؤول عن توثيق عقد الزواج وكل من شارك فى ارتكاب تلك الجريمة.
حملات الصحة "القومى للسكان"
قامت وزارة الصحة والمجلس القومى للسكان بالاحتفال هذا العام باليوم العالمى للسكان تحت شعار "الاستثمار فى الفتيات المراهقات"، لتوعية الأسر بخطورة الزواج المبكر والتركيز على التعليم، ومواجهة الفقر من خلال الحد من الكثافة السكانية من خلال كل وسائل الإعلام، لأنه كلما زادت الأمية زاد معدل الإنجاب وكلما امتد تعليم المرأة إلى الجامعة كانت أكثر وعيًا فى التعامل مع مسألة الإنجاب.
وقام المجلس برئاسة الدكتور طارق توفيق، بتدشين حملات تحت شعار "مجتمعنا مصر" لتوعية المراهقات للحد من الزواج المبكر، ومواجهة الموروثات الثقافية كمبدأ "السترة" و"عفة البنت"، و"العرض"، والزواج السياحى من الأثرياء العرب.
وتبنى المجلس "الاستراتجية القومية للحد من الزواج المبكر"، وسعت الاستراتيجة لوضع تشريع بالتعاون مع الأجهزة المعنية لحظر زواج القاصرات تمامًا، وعمل دراسات كمية وكيفية على بؤر أماكن انتشار زواج القاصرات لتحديد آليات الحل فى كل منطقة على حده، تحت إشراف "برنامج الحد من زواج القاصرات" بالمجلس القومى للسكان.
وأعلنت وزارة الصحة عدة دورات لتدريب الواعظات فى 10 محافظات تجاه القضايا السكانية وإدماجها فى الخطاب الدينى، على أن تتضمن التعريف بمخاطر الزواج المبكر وكثرة الإنجاب.
وفى السياق ذاته، قالت الدكتورة سعاد عبد المجيد، رئيس قطاع الأسرة وتنظيم السكان بوزارة الصحة، إنّ هذه الدورات للواعظات تتضمن شرح مخاطر الزواج المبكر، حيث تكون الفتاة أكثر عرضة للإصابة بالأمراض العضويّة والنفسيّة من بينها إنجاب أطفال مبتسرين وناقصى النمو، فضلًا عن إصابتها بالأنيميا وأزمات صحية أخرى.
كما قالت الدكتورة امال محمد أستاذ علم النفس، إن خطورة زواج القاصرات تتمثل فى قهر المرأة نفسيا وفكريا، والأسرة التى تقبل ذلك، والمجتمع الذى لا يتخذ الإجراءات الحاسمة لمنع هذه الظاهرة، ودستوريا الفتاة لا يسمح لها بالزواج قبل 18 عاما حتى لا تحرم من طفولتها ورعايتها وإتمام دراستها. وأضافت أن زواج القاصرات يعد انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان، ولفتت إلى المشكلات النفسية التى تواجهها الفتاة وافتقاد الاحساس بالأمان والرعاية.
وقال احمد علي أستاذ علم الاجتماع، إنه رغم محاولات تنبيه المجتمع المصرى من ظاهرة زواج القاصرات وأثارها ولكن مازالت مستمرة وتمثل أرق للمجتمع فى حال زيجات العرب وغيرها من مشاكل فى الجنسية والتى صدر لها قانون لوضع حلول، مشيرة إلى أن الدولة المصرية حددت سن الزواج 18 عاما بينما البعض يتخطى النص بطرق عرفية وغيرها. وشدد على ضرورة محاسبة سماسرة الزواج وهم موجودين ويستخدمون محامين لإيجاد ثغرات لتيسير زواج القاصرات.
ويقول احمد الوكيل باحث، إن ظاهرة الزواج المبكر، أو زواج القاصرات، ليست جديدة وإنما هي من رواسب تقاليد وعادات المجتمع القروي والبدوي وحتى بعض النواحي في المدينة.
وأوضح الوكيل، أن سببه في عائد إلى غياب المستوى التعليمي وغلاء المعيشة ونظرة المجتمع للمرأة، التي تعتقد أن من لديه طفلة وكأن لدية “مشكلة” يريد التخلص منها وسترها ولا يهم إن كان الزوج صغيرا أم كبيرًا أو متزوجا. فيزوجونها شرط أن يتم توثيق الزواج بعقد قانوني بمجرد أن تبلغ الفتاة السن القانونية.
وتفيد تقارير لمنظمات نسائية مصرية بأن هناك أكثر من 100 ألف حالة زواج لقاصرات سنوياً، بينما سجل العام الماضي 124 ألف حالة، ما يشير إلى ارتفاع نسبة تلك الظاهرة التي تكثر خلال فصل الصيف. ويمكن أن يكون العريس مصريّاً أو خليجياً. وتوضح التقارير أن من يساعد على إتمام تلك الزيجات هم أهالي الفتيات وسماسرة الزواج. ولا تخلو قرية مصرية من حالات زيجات مبكرة. حتى أن قاصرات في مناطق فقيرة يقعن ضحايا زيجات مؤقتة من أغنياء في مقابل المال، الأمر الذي يصفه حقوقيون بـ "الدعارة والاستغلال الجنسي" الذي غالباً ما ينتهي بالطلاق. تتابع التقارير أن المشكلة الأخطر من زواج الفتيات القاصرات هي حين يكون الزوج نفسه قاصراً، وينتشر الأمر بسبب ارتفاع نسب الأمية.
ووصلت نسب دعاوى إثبات الزواج في المحاكم لأمهات قاصرات في عام 2017 2018 إلى نحو 16 ألف دعوى، و14 ألف دعوى إثبات نسب أطفال لا يعرفون مصيرهم. وتتعدّد الحكايات لآباء وأمهات في المحافظات المصرية حول زواج القاصرات.
وفي نهاية الامر ومهما تحدثنا في هذا الموضوع لاننتهي من مشاكلة وكوارثة علي الفرد والاسرة والمجتمع ككل فلابد من تكاتف جميع المؤسسات وتغيير ثقافة المجتمع حول هذا الخطر الذي بات يهدد الوطن حفظ الله الوطن.