طباعة
sada-elarab.com/112213
لا توحش النفس بخوف الظنون واغنم من الحاضر أمن اليقين ... أحد أبيات رائعة غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام المعروف بعمر الخيام، استوقفني كثيراً وبقيت أنظر للكلمات ومعناها في نفسي، فوجدت أن كل إنسان مهما بلغت درجة إيمانه بالله سبحانه وتعالى ويقينه، يبقى دائماً خائفاً من المستقبل لا يفتأ يفكر فيه كل يوم مرة واحدة على الأقل، إن لم يكن الشغل الشاغل لدى كثيرين منا والذي يبدأ صباحه بالبحث عن أمان المستقبل وهو كمن يبحث عن سراب.
حاولت أن أجد طريقة أنصح بها القارئ للتخلص من هذا المرض العصي عن العلاج، فلم أستطع أن أكذب عليه على الرغم من كثرة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في هذا الموضوع، إلا أن مصدر القلق يبقى دائماً في أعماق نفس كل إنسان، ولا يجد الشيطان أفضل من خوف الإنسان من الفقر ليجره إلى المعصية والعياذ بالله، وهو ما قاله سفيان الثوري (أحد أعلام الزهد وأئمة الحديث): «ليس للشيطان سلاح للإنسان مثل خوف الفقر، فإذا وقع في قلب الإنسان منَعَ الحق وتكلم بالهوى وظن بربه ظن السوء».
ولعل عمر الخيام يضع بين أيدينا الحل على الرغم من أنه لحظي ولا يتمتع بالاستدامة ولا العلاج النهائي للمشكلة، إلا أنه يمكن النظر إليه على أنه مسكن لمرض مزمن لا علاج له، إلا باغتنام «أمن اليقين» من الحاضر، وعند كلمة الحاضر أتوقف مرة أخرى لأجد أن الإنسان يعيش حالات مختلفة من المشاعر والأحاسيس في كل لحظة، فلا السعادة تستمر ولا الحزن كذلك، ولا القلق دائم ولا الطمأنينة أيضاً، وإنما ما نشعر به من تلك الأحاسيس هي تلك اللحظات من حاضرنا الذي يتحدث عنه الخيام في رباعياته.
ويظل الإنسان طوال عمره يبحث عن السلام والطمأنينة والأمن، على الرغم من أن ماضيه كله مليء بالصراعات، فمنذ أن كان نطفة في بطن أمه وهو يضرب برجليه ليعلن عن وجوده ككائن نبضت فيه الحياة، وعندما ينزل من بطنها يتلقى الصفعات من الطبيب لكي يبدأ الصراخ ويؤكد أنه على قيد الحياة، وعندما يجوع يبكي ويصارخ ليلعن للجميع اعتراضه على تأخر وقت الرضاعة، ثم يبدأ الخروج للشارع والمدرسة فيعلم أن عليه المنافسة مع نظرائه لكي يكون في مقدمة الصفوف، ويتلقى التحذيرات الحربية من والديه كي يكون إنساناً مستقيماً ونجاحاً فيحارب ليله ونهاره كي يتحصل على الدرجات، أملاً في أن تكون الضمانة لوظيفة مرموقة تؤمن له مستقبله، وعندما يجد الوظيفة التي اعتقد أنها أمَّنت له هذا المستقبل، يعود ليكتشف أن المنافسة مستمرة على المقاعد الأمامية في موقع العمل.
وعادة ما تتفرع الحروب والصراعات، فبجانب البحث عن الرزق يصارع الإنسان في البحث عن الزوجة واختيار الأنسب ثم الاحتراب مع أهلها على تقاسم الأعباء الأولية لتكوين بيت الزوجية، المفترض فيه نهاية الصراع والحصول على جائزة الأمن والاطمئنان، لكنه يكتشف أنها مرحلة أخرى من الصراع والتسابق على إيجاد مورد رزق أوسع بعد أن رزقه الله بالبنين والبنات، وتلك الأخيرة تتسع اضطراداً مع أعمار الأبناء، ويبقى الإنسان متعلقاً في أمل إنهاء الدراسة لأبنائه حتى يحصلوا على وظائف مرموقة، ثم يتزوجون وينجبون الأحفاد... «انظر إلى الفقرة السابقة».
إنها دوامة لا تنتهي يعيشها الإنسان قبل ولادته وحتى يموت ولن يحصل على «أمن اليقين» إلا في اللحظة التي يعيشها، وحتى لا نوحش النفس بخوف الظنون، علينا أن نغنم من الحاضر أمن اليقين.