طباعة
sada-elarab.com/102233
كل عام وأنتم بخير، وبعد انتهاء الشهر الفضيل أدعو الله أن يتقبل طاعاتكم فيه من صلاة وقيام ودعاء، وما تصدقتم به من أموال كثيرة لا نعرف حجمها، الله وحده عنده العلم، لكنها بالتأكيد كثيرة؛ لأن البحرين كانت دائما أرض خير وأهلها سباقون لفعل الخيرات.
وعلى الرغم من التطور العلمي والزمني الذي نعيشه وعصر المعلومات المتوافرة من حولنا، إلا أن أحدا لا يستطيع تقديم تقرير واحد عن إجمالي ما تم دفعه من صدقات وزكوات للمؤسسات والجمعيات الخيرية، وأكشاك جمع زكاة الفطر، وما يتم دفعه على الأونلاين، وما يخفى من صدقة السر المعلوم قدرها لدى جامعي الصدقات.
ولقد سعت مملكة البحرين منذ فترة ليست بالبعيدة إلى وضع تشريعات تحد من تسرب التبرعات والصدقات إلى مسارات غير معلومة، ولهم جزيل الشكر على ذلك، لكن الأمر يحتاج أيضا إلى المزيد من الجهود لمعرفة مصير هذه الأموال، فالتشريع لا يكفي لمراقبة الوضع المالي الخيري في البلاد، والدليل على ذلك هو عجز الدولة عن قياس ما جاد به الناس خلال شهر واحد فقط.
ولنترك هذه القضية التي لن تحل ربما بعد عشر سنوات أو أكثر، ولكن دعونا ننظر إلى مفهوم جديد يمكن أن نطلق عليه «إدارة الزكاة»، ففي دولة صغيرة مثل سنغافورة يشكل المسلمون فيها حوالي 15% من إجمالي عدد السكان، إلا أنهم وضعوا نظاما رائعا للزكاة يهدف إلى تحويل الفقير المستحق للزكاة إلى غني تجب عليه الزكاة.
فيقوم المجلس الإسلامي في سنغافورة بعمل دراسة للأسر المستحقة للزكاة ثم يبدأ بصرف رواتب شهرية ودفع رسوم المدارس والامتحانات لأطفال تلك الأسر، بالإضافة إلى تعليم وتدريب الوالدين في نشاط تجاري معين لمدة سنتين ومنحهم رأسمال لإنجاح مشروعهم مع دعم استشاري، وبعد انتهاء العامين تكون الأسر قد خرجت من قائمة المستحقين للزكاة، ليبدأوا في تسديد ما صرفه المجلس عليهم، بأقساط لا تتعدى الزكاة المفروضة من أرباحهم.
وبهذه الوسيلة أصبح لدى المجلس الإسلامي في سنغافورة فائضا من نفقات الزكاة وكل المصروفات، ويمكن لأي مواطن أن يرى ذلك ظاهرا بشفافية على صفحة الموقع الإلكتروني للمجلس، ومن خلاله يعلم دافعو الزكاة والصدقة أين تصرف أموالهم، وماذا تحقق بها وكيف استفاد الفقراء وتحولوا إلى أغنياء يشاركون في دفع الزكاة.
الفكرة طبعا قابلة للتطبيق في مجتمعنا البحريني، فنحن أقرب إلى سنغافورة من حيث المساحة «710 كم»، بل نحن قد نكون الأفضل من حيث عدد السكان، إذ يعيش في سنغافورة 6 ملايين نسمة تقريبا، لكنهم استطاعوا أن يصلوا دون موارد وثروات إلى أن يصبحوا رابع أهم مركز مالي في العالم يلعب دورا مهما في الاقتصاد العالمي، وأن يكون مرفأهم هو الخامس عالميا من حيث النشاط التجاري.
كل ما تحقق لسنغافورة كان من خلال تبني أفكار وبناء الإنسان السنغافوري، ودعمه ليكون منتجا، وهو المنطلق الذي يجب أن نبدأ من عنده التفكير، فمازلنا نقدم الزكاة والصدقة للأسر نفسها عاما بعد آخر، دون تحسن في أحوالها، وربما يزداد العدد في كل عام، وتزيد الأعباء فتصبح الصدقة في حاجة إلى مزيد من الصدقات.
ولم نفكر يوما في تقديم الصدقة بأسلوب التجارة والاستثمار، رغم أن لدينا أكبر مؤسسة تحتضن مشروعات ومبادرات الشباب والخريجين، وأقصد هنا مؤسسة «تمكين»، فلماذا لا يوجد تعاون بين تمكين والدولة في تدريب وتهيئة الأسرة الفقيرة لتصبح غنية مثل سنغافورة؟.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون ورئيس منظمة الوحدة العربية الأفريقية لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب