طباعة
sada-elarab.com/101595
رحم الله الراحل الباقي في ذاكرة البحرين وعقول المثقفين وحتى قلوب البسطاء من أهل البحرين الكرام، رحم الله سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة والد الجميع الذي بث في كل من اقترب منه إحساس القرابة، فقد كنت أحس في كلماته لي وحديثه الشيق مع جميع من حوله أنه الوالد والعم والخال والأخ، الذي يحتضن كل أفراد العائلة البحرينية بقلب نبض خلال حياته بحب البحرين وأرضها وتاريخها.
ولا أعتقد أن سمو الشيخ عبدالله بن خالد قد رحل عنا، ولا أتخيل هذا الأمر، فأثره موجود في كل موقع إنساني وثقافي وديني وسياسي واجتماعي وحضاري في مملكة البحرين، وأكاد أرى طيفه في الكثير من دول العالم أيضًا، لأن عطاءه الكبير في توثيق تاريخ البحرين وتثقيف شعبها وما يعرفه الآباء ونحن من الجيل الوسيط، من كم الخدمات التي قدمها للمحرق أولا ثم الرفاع والمنامة، وما قدمه لنا من علم وما وفره له لنا من ثقافة وحب للتاريخ وعشق للبحث عن المعرفة، كان أحد أبرز الأسباب في تطور ثقافة الشعب البحريني.
وعلى الصعيد الإنساني فأنا عاجز عن رصد وتحصيل وتوثيق منجزاته في هذا الجانب، ويقع العبء على الكثير من المثقفين في جمع هذا التراث الإنساني وتوثيقه لينضم إلى تاريخ البحرين الحديث، لأن سمو الشيخ عبدالله بن خالد، يعتبر أحد أعمدة التاريخ البحريني الحديث، وأهم شخصية قامت بتوثيق التاريخ القديم والمعاصر، لذلك حق علينا أن نوثق تاريخه بكتاب مفصل يجمع كل ما قام به في حياته وكان الهدف منه البحرين والإنسان البحريني.
وعلى المستوى الإداري، فكان لي الشرف العمل والتعامل مع سمو الشيخ عبدالله بن خالد عن قرب، في اللجنه العليا للحج، فأنا أدرك تمامًا حجم الخسارة الكبيرة التي خسرتها مملكة البحرين برحيله، وكأي منصب إداري دائمًا ما تحدث مشاكل كثيرة، سواء من موظفين أو شكاوى مواطنين، إلا أن سموه تفرد بأسلوب إدارة فريد، جعل كل من عمِل معه يتمنى ألا يخرج عن دائرته، فلم يتخذ يومًا قرارًا صارمًا ضد أحد، ولا أذكر يومًا أن تعامل مع موظف من مستوى المسؤول الكبير، بل الجميع كانوا في حضرته زملاء.
ولم يشعر أحد من العاملين مع سمو الشيخ عبدالله بن خالد أنه صاحب سلطة عليا، بل كان دائمًا المستشار الذي يعطي النصيحة للمخطئ ولا يشعره بخطئه، ويخلق حلولًا للمشكلات التي لا يستطيع أحد أن يجد لها حلًا، فقد كان سموه مبتكرًا ودودًا ناصحًا ومحبوبًا من الجميع.
وشهادة حق.. فإن سموه لم يخذل مواطنًا قدم إليه في حاجة ولم يترك أحدًا يخرج من مكتبه إلا وتكسو وجهه ابتسامة الرضا، وهذا الأمر كان طبيعيًا ويعرفه القريبون من مكتب سموه، إبان تولي رئاسة اللجنة العليا للحج، وأكاد أجزم أن هذه الخصال الفريدة كانت سمة في شخصية سموه الكريمة في أي موقع عمل تولى رئاسته، ولكن تلك كانت تجربتي الشخصية وما لمسته من موظفين ومواطنين التقوا بسموه خلال تلك الفترة.
المشاعر المختلطة تجعلني لا استطيع وصف قدر الخسارة التي خسرتها مملكة البحرين برحيل سموه، فبينما الحزن يلف الجميع لوفاته، إلا أن شعورًا آخر بتواجده حولنا في كل مكان يجعلني أطمئن بأن هذا الرجل لم يرحل ويتركنا، ففي كل موقع ثقافي وعلمي وديني يمكن أن تراه وتلمس يديه التي زرعت شجرًا مثمرًا نأكل منه ونستظل بظله.
رئيس تحرير جريدة الديلي تربيون ورئيس منظمة الوحدة العربية الأفريقية لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب